أردوجان... في قلب معركة الفرقان

أردوجان... في قلب معركة الفرقان!

صلاح حميدة

[email protected]

منذ إسقاط الخلافة العثمانية، وتركيا تغرق في ظلام غلاة العلمانية، مقيدة بغلال الأتاتوركية، يسلب قرارها يهود الدونمة المتأسلمون، ولم تنجح جميع محاولات انتشالها من سباتها حتى جاءها أردوجان، الذي يسعى لإخراجها من المستنقع الذي تراوح فيه، وبدأ عملاً حثيثاً لإعادة تركيا إلى سابق عهدها ومكانتها في المنطقة -هذا لا يعني القبول المطلق لكل سياسات تركيا -، أما فيما يخص الموقف التركي من (معركة الفرقان) في قطاع غزة، فقد أثار العديد من التساؤلات للباحثين والمحللين، حول الدوافع الحقيقية، للمغامرة بالعلاقات التركية - الصهيونية بهذه الطريقة التي اعتبرها المحللون فاقدة للدبلوماسية من سياسي مخضرم كأردوجان، ففي عصر النفاق السياسي ، والدعارة السياسية، خرج أردوجان مغرداً خارج السرب وتحرك من اليوم الأول للعدوان، فيما تسابق الجميع، وعلى راسهم النظام العميل في مصر لإحباط مساعيه وعرقلتها على جميع الأصعدة.

حمل أردوجان مسؤولية العدوان على غزة للكيان الصهيوني، وأنصف المقاومة الفلسطينية، فيما طعنها أقرب الناس طعنات نجلاء في ظهرها، لجأ أردوجان لتصريحات حادة تجاه الصهاينة المجرمين، ونبههم إلى حقيقة كادوا أن ينسوها، وهي أن من احتضنهم عندما ذبحهم الأوروبيون هم المسلمون في تركيا وغيرها ، وخاصة أجداده العثمانيون، وقال لهم أنهم حفروا في الذاكرة ما لن ينسى بما اقترفته أيديهم في محرقة الأطفال والنساء والمدنيين في قطاع غزة، بتلميح واضح أنهم سيدفعون ثمن المجازر التي ارتكبوها ضد الفلسطينيين في القطاع .

هذا الموقف المتقدم لأردوجان، رافقه موقف شعبي متفاعل بشدة مع الهم الفلسطيني  في تركيا،و وحد كل القوميات والمذاهب في تركيا خلف موقفه  ، ووجد هذا  ذروته في المظاهرات المليونية للأتراك، وهتافهم (الموت لإسرائيل)، ودعوة بعض المتظاهرين إلى أرسال الجيش التركي للدفاع عن غزة، مثلما جرى مع القبارصة الأتراك، عندما أرسلت تركيا جيشها لحمايتهم من الإنقلابيين اليونان الذين كانوا يرتكبون مجازر بحقهم كالتي تجري في غزة، وكان ذروة سنام هذه الأحداث مهاجمة الجماهير التركية لفريق كرة سلة صهيوني كان في تركيا، وتخليصه من قبل الشرطة بشق الأنفس.

بالتأكيد للموقف التركي، الرسمي والشعبي والحزبي والإعلامي التركي أسبابه ودوافعه، ولم تكن هذه المواقف المتقدمة عشوائية:-

*بعد وقوف تركيا على أبواب الاتحاد الأوروبي ذليلة عشرات السنين، وهي تصد من قبل نادي المسيحيين الأوروبي، أدركت تركيا أن هويتها الإسلامية تقف حائلاً ومانعاً له  من دخول هذا النادي، ولذلك وصل الأتراك إلى نتيجة مفادها، أن عزتهم واحترامهم وتقديرهم في العالم لا يأتي من انتزاع هويتهم الدينية والثقافية، بل بالاعتزاز بها والعمل بموجباتها، وهذا ما يفسر الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوجان في الإنتخابات، وما تلا ذلك من دور مركزي تركي في المنطقة الجغرافية المحيطة به، في كل المجالات السياسية والاقتصادية، وعزوفها عن تعزيز  العلاقات مع الأوروبيين.

* أدرك الأتراك أن أمريكا وإسرائيل تسعيان لإعادة تشكيل المنطقة على أسس عرقية ومذهبية، وأن تركيا تقع ضمن الدول التي تستهدفها التقسيمات، ولمست تركيا  ذلك بوضوح في ما يجري عل حدودها مع العراق، وهذا زاد التصاق رجل الشارع والسياسي التركي وانجذابهم نحو الأطراف المظلومة في المنطقة من قبل أمريكا وإسرائيل، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.

*لا يختلف إثنان، على الجذور الاسلامية الحضارية لحزب العدالة والتنمية -مع تحفظنا على بعض تصرفاتهم وسياساتهم -ومن الطبيعي أن يتعاطف من يحمل الفكر الاسلامي مع إخوانه في فلسطين، مركز هموم المسلمين في العالم، وليس غائباً عنا حرص أردوجان على الصلاة في المسجد الأقصى عند زيارته لفلسطين، فيما لم يفعلها كل الحكام العرب الذين يأتون إلى فلسطين سراً وعلانية، حتى أن أحد أمراء الخليج حرص على الصلاة في كنيسة المهد في عيد الميلاد، ولم يفكر بالطلب أن يصلي في المسجد الأقصى الذي لا يبعد إلا  مرمى  حجر عن كنيسة المهد؟!.

*  يشعر الأتراك وعلى رأسهم أردوجان، أو ما يطلق عليهم في تركيا ( العثمانيون الجدد) بمسؤولية خاصة تجاه فلسطين، وقطاع غزة تحديداً، ويعتبرون أنه من المحظور الهزيمة في (معركة الفرقان) هذه،ولفت النظر أن أردوجان حرص على ذكر أنه (حفيد للعثمانيين)، ويذكر التاريخ أن العثمانيين في الحرب العالمية الأولى أقاموا خطوط دفاعهم في قطاع غزة، وتصدوا بشراسة منقطعة النظير لقوات الحلفاء القادمة من مصر، وهزموا الحلفاء  في المعارك الأولى ، وقتلوا منهم الآلاف ( ولا تزال مقبرة جنود الحلفاء حتى اليوم في غزة) وعمد بعدها الحلفاء بقيادة بريطانيا إلى إشراك المنافقين من الخونة العرب، ليهاجموا معهم القوات العثمانية المدافعة عن فلسطين وخط دفاعها الأمامي قطاع غزة، وذكر أحد المؤرخين (د.صالح عبد الجواد) في أحد الدراسات حول معارك الدفاع عن فلسطين، التي خاضها أجداد أردوجان في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، قال في توصيف ذلك:-

( لو قاتلت القوات العربية في فلسطين، كما قاتل العثمانيون فيها، لما استطاع اليهود احتلال شبر واحد من أرض فلسطين) .

ومن المضحك المبكي في (معركة الفرقان) أن المؤامرة على غزة من جيوش الحلفاء في العالم كله، تدار من مصر، ويتحالف الحلفاء مع المنافقين والعملاء العرب، من أجل القضاء على المتمترسين في غزة، المدافعين عن شعبها وكرامتها، ويعتبر الطرفان،أن هذه معركة فاصلة كمعركة الحلفاء والعثمانيين الفاصلة بداية القرن الماضي، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بالقليل من التغير في التفاصيل.  

هذا التوصيف، يعطي تصوراً واضحاً عن الإرتباط الوجداني بين أحفاد العثمانيين وأرض معركة الفرقان في غزة هاشم، فهي تذكرهم ببطولات أجدادهم، دفاعاً عن(قدس شريف).

هذه المواقف التركية المشرفة، تستحق من كل عربي ومسلم أن يقف لها إجلالاً واحتراماً، فقد ظن الكثير من المحللين أن تركيا ضاعت إلى الأبد بيد الأمريكان والصهاينة، ولكن هذه المواقف، تثبت أن بلداً مثل تركيا، لا بد وأن يجذبه دينه وتاريخه وتراثه، ولن يقبل أن يصبح مطية لأراذل الأمم.