عباس ومبارك... شيّلني واشيّلك
عباس ومبارك... شيّلني واشيّلك
طارق حميدة
tariq_hamida@hotmail.com
أبو الغيط .. والأبلة ليفني!!
(الرئيس مبارك قال كده؟!)، هكذا سألت الصحافية التي كانت تجري المقابلة مع الوزير
أبو الغيط، وهي لا تكاد تصدق زعمه، بأن الرئيس مبارك قال لهم: (جيبوا لي الست دي)!!،
يقصد الوزيرة الصهيونية، ليفني، لتحذيرها من مغبة العدوان على غزة!!.
وقد
جاء هذا التصريح بعد حملة الانتقادات التي طالت النظام المصري، لكون ليفني أطلقت
تهديدها من القاهرة، وعلى مسمع من الوزير أبو الغيط نفسه، فضلا عن اتهام حماس
للنظام المصري بالضلوع في جريمة مخادعة الحركة، من خلال رسائل تطمين كاذبة أن
الصهاينة ليسوا بوارد العدوان على قطاع غزة هذه الأيام، وأن مصر لا تزال تبذل
المساعي لتجديد التهدئة.
فيما بعد، أكد الرئيس المصري أنه لن يفتح معبر رفح كيلا يكرس الانقسام الفلسطيني،
وأن المعبر سيظل مغلقاً لحين استلام الطرف الشرعي للأمور في غزة!.
واللافت للنظر أن ما يصفونه بعودة الشرعية إلى القطاع، بشرت به بعض الأوساط الرسمية
المصرية والفلسطينية قبيل العدوان، وأكدت عليه يوم العدوان، ثم هم لا يزالون
يشترطونه حتى الآن، ومعه تحميل المسؤولية لحركة حماس على جرائم الاحتلال في غزة!!.
فقد
صرح مصدر مسؤول في الخارجية المصرية لصحيفة القدس الفلسطينية يوم 20/12/2008، نُشر
على صدر صفحتها الأولى: ( نحن ننتظر عودة الطرف الشرعي صاحب الصلاحية القانونية
لإدارة معبر رفح)، وفي تتمة الخبر أن حماس قوّضت جهود مصر للإبقاء على التهدئة
وترتيب حوار فلسطيني للمصالحة، وأضاف أن حماس قادونا إلى هذا الوضع، وتابع: إذا
فتحت مصر الحدود؛ لن تشعر حماس أنها تحت أي ضغط لطلب المصالحة مع فتح!!.
وفي
الوقت الذي حمّل نمر حماد، مستشار عباس مسؤولية المجزرة الصهيونية لحماس، فقد دعا
الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم، سكان القطاع إلى الصبر، معتبرا
أن ما أسماها "الشرعية" ستعود إلى غزة. وقال في تصريحات لتلفزيون فلسطين "الأجندة
الخارجية ستسقط، وستعود الشرعية إلى غزة"!!.
وأضاف عبد الرحيم "أقول لشعبنا الحبيب في قطاع غزة صبرا آل ياسر، فإن موعدنا إن شاء
الله قريب مع إقامة دولتنا المستقلة، وأقول لشعبنا في غزة وهو يعلم تماما الواقع
والظروف الصعبة التي يمر بها، إن هذه الظروف ستنتهي وإن هذا العدوان سيتوقف، وإن
الشرعية ستعود إلى غزة ". وفي نفس الخبر الذي نُشر على موقع الجزيرة نت يوم 28/12،
أن
رئيس كتلة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، في المجلس التشريعي الفلسطيني عزام
الأحمد، قد صرح للجزيرة: "إن الرد الأول على العدوان الإسرائيلي على غزة يتمثل
بإعادة الوحدة وإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي، داعيا إلى تحرك فوري بهذا
الخصوص".
لقد
استفز اتهام حركة حماس للسلطة في رام الله، توجيهها لأشخاص تابعين لها في غزة،
يقومون بالتجسس لصالح الصهاينة، وتوجه طائرات الصهاينة، ونفى نبيل عمرو بشدة ذلك،
مع أن الدور الذي تقوم به سلطة أوسلو ومن سنين أكبر من هذا العمل بكثير.
إن
كلام الطيب عبد الرحيم، وقبله المسؤول المصري، وبعده الأحمد الذي دعا إلى "تحرك
فوري" لإعادة الوحدة وإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي، لا يعني إلا أمراً
واحداً، وهو أن ما قام به الصهاينة كان بعلم وتنسيق جهات عدة، أبرزها النظام المصري
وسلطة عباس؟؟.
شيّلني ... واشيلك!!
المسؤولون المصريون يركزون كثيراً على عودة الشرعية إلى القطاع، يقصدون الرئيس عباس
والحكومة اللاشرعية التي عينها بعد فشل انقلابه في قطاع غزة على الحكومة الشرعية
المنتخبة.
وبالمقابل فإن الرئيس عباس ورجالاته، يدافعون عن النظام المصري الشقيق!! بحجة أننا
الآن بحاجة إلى عدم حرف البوصلة والانشغال بصراعات جانبية، ونحن أحوج ما نكون إلى
الإخوة العرب في هذه الظروف، والكلام من حيث المبدأ صحيح لولا عدد من المعطيات التي
ذكرنا والتي لم نذكر، وكلها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ضلوع النظام المصري، وجهات
فلسطينية بالمشاركة في هذه الجريمة.
ويبقى السؤال: ما الذي جعل هاتين الجهتين، دون سواهما، تعملان بهذا السفور؟؟ ولماذا
يدافع الطرفان عن بعضهما البعض؟.
هل
أضحت رسالة هؤلاء وقضيتهم التي نذروا لها حياتهم، هي الاستسلام مع الصهاينة،
ومقاومة المجاهدين والرافضين للاستسلام؟ لقد قال بيرس بأن كل شيء جاهز بالنسبة
للسلام بينهم وبين حلفائهم، والعائق الوحيد هي حماس، فهل استعد هؤلاء للمساعدة في
إزاحة هذا العائق؟ وهل كانوا هم الذين شجعوا الصهاينة على العدوان، ووعدوهم
بالمشاركة، ثم جبنوا وتقاعسوا بعدما تورط المحتلون، فكانت صدمة الصهاينة بخذلانهم
أعظم من الصدمة التي أرادوها لحماس بقصف اليوم الأول؟
وهل
يرى هؤلاء بأنهم يخوضون معركة وجود؛ أيرون أن وجود حماس تهديد لوجودهم، وأن وجودهم
الحقيقي رهن ببقاء الاحتلال الصهيوني ودعمه ورضائه؟ أم قد بلغ بهم الضعف مبلغاً
يجعلهم يدافعون عن مواقعهم التي يكادون يسقطون منها، وأنهم إن لم ينتصروا في هذه
المعركة مع حماس فلن تقوم لهم قائمة؟؟.
هل
لأن الطرفين يعانيان من عزلة شعبية، وقد فشل كلاهما فشلاً ذريعاً في الانتخابات
الداخلية، فانقلب عليها أحدهما، وزورها الثاني على مرأى ومسمع من العالم أجمع؟؟.
إنهاء حكم حماس!!
لوحظ أن بعض المسؤولين الصهاينة قد بدأوا يخففون من الحديث عن إزاحة حماس، بعد
الخيبة التي أصابتهم في الأيام الأولى، مع أنهم ومنذ مدة ظلوا يكررون نيتهم إزاحة
حماس من الواجهة، وإنهاء حكم حماس في غزة.
ولم تختلف تصريحات الساسة المصريين ورجالات المقاطعة برام الله عما يقرره الصهاينة
فيما سبق ذكره بداية هذا المقال، وكان واضحاً أن هناك من يتهيأ لاستلام غزة قادماً
على ظهر دبابة صهيونية، فلما فُضحت النوايا ولم يحصل الانهيار المأمول، شعر
المتواطؤون وبالذات في مصر وفلسطين بالخزي والعار، وبدأوا يصرحون بأن هدف العدوان
ليس إزاحة حماس، وإنما إضعافها فقط، وذلك حتى يصدق الجمهور أنهم غير ضالعين في
الجريمة، وجندوا لهذا الغرض عدداً من "المحللين" السياسيين والعسكريين.
حسناً فعلت سلطة المقاطعة برام الله، حين قررت وقف الاشتباك الإعلامي وبالذات مع
الجهاد وحماس، وقد لاحظوا ما جرى للرئيس المصري ووزير خارجيته؛ فإن أي اشتباك من
هذا النوع سيزيدهم إحراجاً وتعرية وإدانة، مع أن الذين نتمناه لكل الغافلين أن
يثوبوا إلى رشدهم، توبةً إلى ربهم، وعودةً إلى شعبهم وأمتهم.
منطق الشاذين!!
ليس
فقط لأنها تطلق الصواريخ على المغتصبات قرر الصهاينة الحرب على حماس، فمن
غير المقبول بقاء جهة فلسطينية، رافضة لتفويض عباس للقيام بالخطوة الأخيرة في عملية
السلام، خاصة إذا كانت هذه الجهة بحجم حماس وجماهيريتها، وامتدادها حتى خارج
الأراضي الفلسطينية.
إن
حركة حماس أشبه بجسم غريب ضمن الواقع السياسي العربي والدولي، والذي لا يحتمل
بقاءها ضمنه من غير أن تنخرط معه في قبول دولة الاحتلال والسلام معها بل والدفاع
عنها.
العالم الغربي الذي أوجد دولة الاحتلال الصهيوني، ولا يزال يدعمها ويرعاها، ومعهم
أتباعهم من الساسة يرفضون أي تشكيك في شرعيتها وبقائها، وأي تهديد لوجودها، وكأنما
يراد حتى من المسلمين أن يضيفوا ركناً سابعاً لأركان الإيمان، هو الإيمان اليقيني
بدولة إسرائيل، بل إن الكفر بالأركان الستة يمكن أن يغتفر، ولا يغتفر عدم الإيمان
بدولة إسرائيل!!.
يقول سبحانه: ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا،
فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي
وخاف وعيد)، وكذا قال قوم لوط بعضهم البعض: ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس
يتطهرون)، هذا منطق الكفار تجاه المؤمنين، ومنطق الشاذين جنسياً ضد الأطهار، وهو
كما نرى أيضاً، منطق الكفار الأجانب، والشاذين وطنياً وسياسياً في بلادنا، الذين
يعملون مع الأعداء ضد أمتهم وأوطانهم.
والبشارة الربانية: وعد بحتمية إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين بدلاً منهم، فالأرض
أرض الله وليست أرض الكفرة والشاذين، وليسوا هم من يحدد لمن سيكون البقاء في أرض
الله تعالى.
نعم
قد يُقدّر الله تعالى لغالبية قادة وأعضاء حماس بالشهادة، في غزة والضفة معاً، لكن
ذلك ليس عنوان انتهاء الحركة وفكرها، بل هو منطلق تحولها إلى حركة ممتدة ذات
أغلبية ساحقة، ليس في المجتمعات العربية والإسلامية فحسب، بل سينضم إليها ويتبنى
مواقفها الكثيرون من غير العرب والمسلمين وهم يهتفون بأعلى أصواتهم: كلنا اليوم
حماس.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.