غزة والعرب ما بين عجز وتواطؤ

د. ياسر سعد

[email protected]

كثيرة هي الإشارات والقرائن والتي توحي بأن ما يجري في غزة من مجازر وجرائم يتم بتواطؤ عربي وعلى أعلى المستويات. الدول العربية والتي دعمت بشكل غير مسبوق محمود عباس ومنحته شرعية تمديد رئاسته، رغم أن الأمر خارج اختصاصها، وهي تعرف أن اقتلاع حماس من غزة هو من أولى أولويات السلطة الفلسطينية. السلطة والتي أدلى رموزها بتصريحات تؤيد ضمنا ما يفعله الجيش الإسرائيلي من قتل وتدمير، فهذا نمر حماد يبرر المجزرة باستفزازات حماس، وهذا عبد ربه يوصي أهل القطاع بالصبر انتظارا للشرعية والتي تستمدها السلطة من رضا اولمرت وقبول بوش.

مصر خدعت الفلسطينيين في غزة كما قال فوزي برهوم وغيره، وقد حمَل بيانها حول المجزرة اللوم أيضا على الضحية بحجة عدم تجاوب حماس مع مساعي التهدئة المصرية. الحديث عن الصواريخ الفلسطينية والذي يحمّل عليها لوم ما يجري تماما من وجهة النظر الأمريكية، وبشكل رئيسي كما تتحدث البيانات الدولية والغربية، فيه تجنى وافتراء عودنا عليهما المجتمع الدولي والذي تتسيده لغة الكذب والنفاق. فالمساواة بين المحتل المغتصب وبين المحاصرين المظلومين والمضطهدين والذين التزموا بالتهدئة رغم خرق الاحتلال لها من خلال الاغتيالات وتشديد الحصار وإغلاق المعابر، هكذا مساواة عنصرية فاقعة وخلل جسيم في الموازيين الأخلاقية.

ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي أيد في تصريح له تقارير صحفية إسرائيلية تحدثت عن التهيئة للمجازر خلال شهور التهدئة. اعتراف باراك يكشف عن أن التهدئة كانت تحضيرا للعدوان الإسرائيلي، الأمر الذي يفضح سلوك الخداع والذي يمارسه قادة الصهاينة، ويبرهن على هشاشة حجج وذرائع من يلوم المقاومة أو من يخطئها لرفضها تمديد التهدئة مع الاحتلال. فكل من يظهر التأسف على أن حماس لم تستجب لنصائحه أو أن المقاومة أعطت من خلال ردها على الاحتلال الذرائع له للهجوم على غزة، يعتبر مشاركا بالمجزرة.

التحرك العربي الرسمي بعد المجزرة والذي هدف أساسا لامتصاص غضب الشارع العربي ليس ضعيفا وهزيلا فحسب ، بل يعطي ذخيرة لمن يتهم دول عربية بالتواطؤ مع إسرائيل في عدوانها وجرائمها. فاجتماع وزراء الخارجية العرب تأجل ليوم الأربعاء، لأن وزراؤنا مشغلون بحسب عمرو موسى، بلغة أوضح النظام العربي الرسمي يعطي إسرائيل بضعة أيام لإنهاء مهمتها في غزة. فلم تتخذ أية خطوة عملية واحدة من قبيل تجميد العلاقات أو سحب السفراء. والأنكى من ذلك أن دعاة السلام العربي لم يتحدثوا لا من قريب ولا بعيد على تأثير المجزرة غزة على مبادرة السلام العربية، والتي يبدو أن أحداث غزة تمهيد لتفعيلها! 

أما الحكومة المصرية والتي تتهمها المعارضة بالتورط في العدوان، فقد تضاربت الأخبار عن احتجازها لحافلات تابعة لجنة الإغاثة بنقابة أطباء المصرية والمتوجهة للقطاع، كما اتهمتها مصادر في غزة بمنع انتقال الجرحى من معبر رفح. القاهرة عادت واستقبلت وفد أمني إسرائيلي لبحث طلبها بإيقاف العدوان الإسرائيلي على القطاع!!

وإذا تجاوزنا المنطق وعطلنا العقل وقلنا أن عواصم عربية كبرى غير متورطة، فإنها وفي أضعف الإيمان عاجزة عن الفعل، والعاجز لا مكان له في عالم لا يحترم غير القادرين والأقوياء.

 الأيام القادمة حاسمة وصعبة، ونتائج أحداث غزة ستكون فاصلا وفيصلا كبيرا. فإما أن تسود لغة "الاعتدال" والانكسار ويصبح العرب مسرحا للتنافس بين القوى الإقليمية، وإما أن يعلو صوت المقاومة وثقافتها ويصبح الحديث عن السلام مع القتلة والسفاحين من الكبائر السياسية والموبقات الأخلاقية.