قطاع غزة والعلاقات الإيرانية-المصرية
د. ياسر سعد
[email protected]
تشهد العلاقات الإيرانية-المصرية توترا كبيرا وحملات إعلامية لا تكاد تتوقف. فقد
استدعت الخارجية المصرية القائم بالإعمال الإيراني بالقاهرة لتبلغه احتجاجها
واستياءها إزاء ما دأبت عليه "بعض الدوائر الإيرانية من ترتيب مظاهرات أمام مقر
البعثة الدبلوماسية لمصر في طهران"، ومن "تدبيج مقالات في الصحف الإيرانية تتهجم
على مصر وقيادتها وخاصة خلال الأيام الأخيرة".
أخر مظاهر التأزم في علاقات البلدين، انتقادات عنيفة وجهها لإيران وزير الخارجية
المصري أحمد أبو الغيط, ردا على تصريحات لرفسنجاني والذي انتقد فيها رفض القاهرة
فتح حدودها مع غزة. واعتبر أبو الغيط أن إيران تسعى إلى السيطرة على الشرق الأوسط
عبر استغلال القضية الفلسطينية، قائلا أن "الإيرانيين يحاولون الانتشار وفرض
الأيديولوجية الخاصة بهم على هذا الإقليم, كما أنهم يستغلون بعض الفلسطينيين سواء
بأفعال بنية حسنة أو بمعرفة عميقة للأهداف الإيرانية"، وأضاف "حقيقة الأمر أنهم لا
يقدمون أي شيء للقضية
الفلسطينية سوى المزاعم والأحاديث والادعاءات".
وإذا كان من حق القاهرة وحلفائها العرب بل ومن واجبهم أن يقلقوا من تمدد النفوذ
الإيراني في المنطقة ومن تزايد تأثير طهران فيها، فإن من واجبهم أيضا أن يلوموا
أنفسهم على تقصيرهم وانعدام فعلهم السياسي والاكتفاء بدور المشاهد السلبي في أحسن
الأحوال. فالمواقف العربية في مجملها من احتلال العراق، والذي أدى لاختلال توازن
القوى في المنطقة لصالح طهران، كانت في البدء معارضة ظاهرية للاحتلال، ومن بعد
اكتفت بتنفيذ الطلبات الأمريكية بالاعتراف بالحكم العراقي الجديد وتدعيمه برغم من
نفوذ إيران على جزء كبير من مكوناته.
أما اتهامات أبو الغيط بأن إيران لا تقدم شيئا لفلسطين سوى الشعارات والادعاءات،
فيمكن لطهران أن ترد عليها بأن القاهرة تساند إسرائيل في تشديدها حصار غزة بحجج
واهية، منها أن معبر رفح محكوم باتفاقيات دولية لا تملك القاهرة سوى الإذعان لها.
وكان بإمكان مصر الاستفادة من المواقف الدولية والتي تندد بحصار غزة والتي كان من
أبرزها التصريح الذي أدلى به مقرر حقوق الإنسان بالأمم المتحدة اليهودي ريتشارد
فولك من أن حصار إسرائيل للقطاع يشكّل جريمة ضد الإنسانية، وهي أمور تتجاوز بكثير
اتفاقات مؤقتة تحكم المعابر.
وحتى يكتمل الاستثمار الإيراني لما يجري بغزة، بحسب القناعة المصرية، فقد طالب حسن
نصر الله الشعوب العربية والإسلامية للعمل على رفع حصار غزة وقال إن نصرة أهلها يعد
واجبا إنسانيا ودينيا. ودعا نصر الله إلى تظاهرة كبيرة في الضاحية الجنوبية وحث
الشعوب العربية والإسلامية على التظاهر السلمي، مناشدا القاهرة فتح معبر رفح بشكل
دائم.
فهل ينبغي على القاهرة أن تقول لطهران وحزب الله مالكم وما لغزة؟ ولماذا تحاولوا
استثمار معاناة أهلها لخلط الأوراق ولإبقاء المنطقة في توتر يخدم الأهداف والمصالح
الإيرانية؟ انتقاد المصري للدور الإيراني في فلسطين وفي المنطقة لن يكون له قيمة إن
لم يكن للقاهرة أمام التطورات المتلاحقة ومعاناة غزة أفعال ومواقف. كما إن الغياب
والعجز العربي هو الذي يغري القوى الإقليمية والدولية بالتدخل والتنافس في منطقتنا،
فأين هم العرب مما يجري في فلسطين والصومال والعراق والسودان وغيرهم؟