خفّا حنين

وخفّا الصحفي العراقي ..

عبد الرحيم طويل

[email protected]

المركز الإسلامي / بلنسية - إسبانيا

يحكى أنّه كان في غابر الزمان ، وسالف العصر والأوان رجل يعمل إسكافيا يدعى ( حنيناً ) وكان من أهل الحيرة ، فساومه أعرابي جلف في شراء خفين ، فاختلفا في تقدير ثمنهما ، فأغلظ الأعرابي الكلام للإسكافي ... فأصر حنين على أن يكيد له ، فراقبه حتى عرف اتجاه طريقه . فسبقه إلى الطريق ثم رمى بأحد الخفين ، وبعد مسافة طويلة شيئاً ما .. رمى بالآخر ، ومكث قريبا منه يترقب ، فلما وصل الأعرابي إلى مكان الخف الأول رآه وعرفه فقال : لو كان الآخر معه لأخذته ، ثم تركه وسار حتى وجد الثاني فأخذه ، ثم ترك راحلته في ذلك المكان ورجع ليأتي بالأول ، فخرج حنين واستاق الراحلة بما عليها ، وعاد الأعرابي إلى بلده بالخفين .

فقيل " رجع بخفي حنين " ، وذهبت هذه العبارة مثلاً يرويه الناس جيلاً بعد جيل ..

ويضرب هذا المثل فيمن خاب سعيه و ضاع جهده .

وإذا اعتبرنا أن بوش أضل الناس سعياً ، وأضيعهم - في عالم القيم – جهداً ؛ فقد قضى مدتين رئاسيتين – غير ميمونتين - في العدوان على الدول الأخرى ، وإذلال شعوبها ، وأمعن في قتل المدنيين وإرهابهم وتجويعهم ... ثم أراد أن يختم رحلة حياته السياسية بزيارة مستعمراته ؛ ليكون شاهداً على جرائمه ، ولترى عيناه آثار ما اقترفت يداه ... فرجع إلى بلده بالخزي وعار الدهر ؛ رجع بخفي الصحفي العراقي ، كما رجع الأعرابي بخفي حنين الإسكافي ، مع فارق واحد ؛ أن الأعرابي أخذ الخفين فلبسهما واستفاد منهما بالرغم من تضييع جمله بدلاً منهما ، إلا أنه لم تُهدر كرامته تحت أرجل الإسكافي صاحب الخف ... أما بوش فقد رجع بخفي الصحفي رغماً عنه ، لا بإرادته ، وفقد ما هو أعظم من جمل الأعرابي ؛ فقد كرامته وكبرياءه .. وضيع هيبة بلده الأقوى في العالم ، وأذلّ جميع حكام العالم الذين يدورون في فلكه ويتخفّون تحت عباءته ويضربون بسيفه ، وضيع هيبتهم ، وأهان كرامتهم ، وأصبح كل واحد منهم يتوجس خيفة ، متوقعاً أن يصفعه خفُّ واحدٍ من أبناء شعبه المقهور ، إذ لا كرامة للذنَب إذا أهين الرأس .

ترى ، هل سيكون هذا درساً لبوش ، ولجميع أبواش العالم الطغاة المستبدين ، أو ستكون صرخة في واد ، ونفخة في رماد ؟؟...

هل ماحصل لبوش هو نهاية المطاف ، أو هو بداية مطاف جديد في عالم السياسات المستبدة والظالمة ؟؟... هل ماحصل لبوش هو طفرة لا تتكرر ، أو أن كل طاغية مستبد صار يتلمس رأسه ، وقد قرر أن يطيل شعره ليدفع عنه أذى الضربة المتوقعة في كل وقت وحين ، فإن لم يكن له شعر يستر رأسه وكان أصلع فلعله يفكر في تركيب شعر مستعار ( بيروكة ) حماية لصلعته الوضيئة الناعمة ؟؟... إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب .

بقي أن نقول : هل رضي الحذاء بما فعل صاحبه ؟ أو أنه شعر بالإهانة ، ومحاولة تدنيسه برأس مثل رأس بوش ؟؟.. متمثلاً قول الشاعر :

قوم إذا ضُربَ الحذاءُ برأسهم              صاح الحذاءُ بأي ذنب أُضرَبُ ؟!

وهل ياترى سيرفع قضية ( إهانة الحذاء ) ضد صاحبه إلى الإسكافي ( حنين ) لإنصافه ؟؟...