بوش وقبلة الوداع العراقية

د. ياسر سعد

[email protected]

زيارة جورج بوش للعراق والتي أراد فيها حسب مسؤول في البيت الأبيض "الاجتماع بالزعماء العراقيين وتوجيه الشكر للقوات والاحتفال بالاتفاقية الأمنية الجديدة"، كانت وبالا عليه وخاتمة مهينة لحكمه، احتفل بها مناهضو الاحتلال وتبادلوا فيها التهاني. كما إن سرية الزيارة تكشف عن خوف بوش وعدم ثقته بحلفائه العراقيين والذين لم يكونوا في استقباله بالمطار الخاضع للسيطرة الأمنية الأمريكية، وتفضح زيف زعمه بتحرير العراق. فالمحرر لا يدخل البلاد المحررة خلسة بل يفترض فيه أن يتجول في شوارعها وميادينها ليحظى باستقبال شعبي حافل يرميه بالزهور والرياحين.

بوش والذي قال بعد لقائه بالطالباني "إنني شديد الامتنان لهذه الفرصة التي أتاحت لي العودة إلى العراق قبل انتهاء ولايتي الرئاسية"، سيشعر بالبؤس وهو يودع تلك الولاية بقبلة عراقية حاول أن يسددها له الصحفي العراقي منتظر الزيدي، والذي أصبح في نظر الكثيرين بطلا قوميا كما تحدثت بيانات هيئة علماء المسلمين وجبهة الجهاد والتغيير وغيرهم.

وبعد أن رمي الزيدي بوش بالحذاء وقف صحفي ليعتذر نيابة عن الصحفيين العراقيين، فرد عليه بوش أن هذا ثمن الحرية. ولا أدري أية ديمقراطية تلك التي تسمح لصحفي عراقي بالحديث نيابة عن الآخرين بلا تخويل ولا انتخاب! ثم أية حرية تلك التي يتحدث عنها بوش؟ هل حي حرية أبوغريب أم الموت بالمثقاب وانتشار التعذيب في السجون والمعتقلات العراقية؟ ثم إذا كان الزيدي، قد عومل بقسوة بالغة أمام عيون العالم وكاميراته، فما هي يا ترى أحوال وأساليب التعامل مع آلاف العراقيين في السجون العلنية والسرية والمتمتعين بحرية جورج بوش.     

لغة الحذاء السياسية في العراق جاءت إليه مع الاحتلال، فقد ركز الإعلام الأمريكي على صور يفترض أنها لعراقيين وهو يلطمون بالأحذية تمثال صدام حسين عشية سقوط بغداد. وها هو الحذاء العراقي وبعد أكثر من خمس أعوام من الاحتلال يكون من نصيب بوش، تعبيرا عن مشاعر كثير من العراقيين نحو الرجل الذي دمر بلادهم وتسبب في مقتل أكثر من مليون عراقي وتشريد ملايين أخرى.

ولعل المتابع للمنتديات العربية على شبكة الانترنت ولتعليقات القراء العرب في المواقع الإخبارية الشهيرة، يستطيع أن يرصد فرحة عارمة هزت قطاعات واسعة من المثقفين العرب والذين اعتبروا الزيدي بطلا قوميا استطاع توجيه رسالة سياسية معبرة وقوية، ومن خلال عمله غير المسبوق، كسرت الحواجز واخترقت المحرمات. كما إن الكثيرين رأوا في تصرفه انتقاما للكرامة والحرمات العربية والتي تطاول عليهم بوش مرارا مع عجز النظام العربي الرسمي على الرد واتخاذ مواقف تتفق وتطلعات ومشاعر غالبية المواطنين العرب.

بوش والذي سافر من العراق إلى أفغانستان حيث تواجه قواته بوادر هزيمة نكراء، وبعد أن زعم بوجود تقدم كبير في البلاد، تحداه صحفي أفغاني بقوله أن الولايات المتحدة أخفقت في الوفاء بتعهداتها بتحقيق الأمن.

من الانهيار الاقتصادي إلى الانتكاسات العسكرية والهزائم الأخلاقية والتراجع الدولي في البلقان وغيره، يتوج وداع بوش والذي يتسابق حزبه لتبرؤ من سياساته ومواقفه بمشهد الحذاء العراقي الطائر. ليدخل التاريخ من بوابته السوداء كقائد في صنع التدمير والمعاناة الإنسانية والسير ببلاده لهاوية قد لا تجد للخروج منها سبيلا.