الحرب الأفغانية والأوقات الحاسمة
د. ياسر سعد
خسائر عسكرية متزايدة لقوات التحالف، وزيارات مفاجئة لمسؤولين غربيين ومخاطبتهم لجنودهم في أفغانستان بلغة عاطفية لرفع معنوياتهم، بالإضافة إلى التصريحات والتقارير المختلفة. أمور توحي إلى أن هدف قوات التحالف قد تحول من تحقيق انتصار على الطالبان وإنهائها إلى محاولة تأخير انتصارها، لعل اختراقا سياسيا يقنع الطالبان بالدخول في مفاوضات تنقذ قوات الناتو هناك من هزيمة مدوية.
وبحسب دراسة لمركز أبحاث أوروبي فإن طالبان تسيطر على نحو 70% من أراضي أفغانستان كما أنها تهدد ثلاثة أرباع الطرق المؤدية إلى كابول. استهداف طالبان باكستان لإمدادات قوات التحالف وهي في طريقها لأفغانستان يضع أعباء جديدة على تلك القوات، كما إن حجم إمدادات يوحي بتعاظم الخسائر الغربية في أفغانستان. فيما قالت صحيفة نيويورك تايمز يوم الأحد بأن معظم القوات الأميركية الإضافية التي سترسل إلى أفغانستان أوائل العام المقبل ستنتشر قرب كابل وهو ما يعكس قلقا من احتمال تعرض العاصمة الأفغانية للسقوط بيد طالبان وهو ما سيشكل انعطافة كبيرة في الصراع الأفغاني.
وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس، زار يوم الخميس الماضي وبشكل مفاجئ أفغانستان، حيث تنوي بلاده تعزيز انتشار قواتها هناك. الزيارة جاءت إثر إعلان واشنطن بدء مراجعة إستراتيجيتها وإرسال تعزيزات بعد تصعيد وتكثيف طالبان لعملياتها العسكرية. ومع دعوات قائد القوات الدولية في أفغانستان الجنرال الأمريكي ديفيد ماكيرنن إلى إرسال تعزيزات من أربعة ألوية يصل تعدادها لعشرين ألفا، فإن جيتس حذر من إرسال عدد كبير من الجنود إلى بلد يشهد حروبا أهلية وحركات تمرد ضد القوات الأجنبية منذ 30 عاما. وقال الوزير الأمريكي "إن تاريخ القوات الأجنبية في أفغانستان ليس على جانب كبير من الايجابية، فالأفغان اعتبروها قوات محتلة جاءت من اجل مصلحتها الخاصة".
بعد جيتس، حط رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون في أفغانستان، بلا إعلان مسبق، ليزور العسكريين البريطانيين في إقليم هلمند، مقدما التعزية في الجنود الأربعة والذين سقطوا مؤخرا في أفغانستان. وقال براون إن الرجال "قتلوا وهم على الخط الأمامي في الحرب على الإرهاب" و"إن ذكراهم ستبقى حية" لما فعلوه من أجل بريطانيا، زاعما إن الناس "في بريطانيا ينعمون بأمان أكبر بسبب ما يفعله الجنود البريطانيين في أفغانستان". وقال براون إنه لن يسمح "لطالبان أو للإرهابيين بالانتصار على الحكم الديمقراطي للشعب الأفغاني".
براون الذي تحدث عن الحكم الديمقراطي الأفغاني ناقض نفسه حين قال، في مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الأفغاني، إن الدول المشاركة في قوات التحالف الدولي ستعمل على محاربة الفساد وتحسين الأمن في المناطق الأفغانية. براون دعا الدول المشاركة في التحالف الدولي إلى أن تتحمل بشكل أكثر عدلا عبء القوات الموجودة في أفغانستان، سواء بتقديم جنود أكثر أو معدات في الحرب مع مقاتلي طالبان.
دعوة براون للدول الأخرى لزيادة مساهمتها في الحرب الأفغانية، تعكس انقساما غربيا في طريقة التعامل مع الملف الأفغاني، وتظهر إجهادا بريطانيا وأمريكيا من حرب تبدو بلا نهاية إن لم نقل بنهاية سوداء.