بوش وحذاء الوداع
يسري الغول
*لم يكن مستغرباً أن يخرج أحد العراقيين الأغرار -الذين ذاقوا مرارة وقهر الاحتلال الأميركي الغاصب- ليضرب بوش الابن بحذاءيه كقبلة وداع أخيرة لذلك الأرعن الذي أوشكت ولايته على الانتهاء. فقد خرج أحد مراسيلي قناة البغدادية العراقية أمام جموع الصحفيين والمراسلين الإخباريين الذين حضروا اللقاء بين رئيس الوزراء العراقي نور المالكي والرئيس الأمريكي بوش، وقام بشتم بوش وتقرّيعه بأقذع الكلمات والألفاظ ثم قذف في وجهه حذاءيه الطاهرين لتكون أجمل رسالة عربية لذلك الأرعن (المتفرعن).
هذه الرسالة الغير مشفرة والجريئة التي خرجت من رحم المعاناة العراقية، كانت أوضح دليل لما يشعر به العرب تجاه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية بعد أن نصبت نفسها إلهاً على العالم، وعادت الجميع من أجل حماية أمنها وأمن ربيبتها إسرائيل. وأعلنت بداية حربٍ صليبية جديدة، كما باتت اليوم تمثل أكثر دول العالم (فرعنة) وظلماً وتطرفاً من خلال احتلالها للعراق وأفغانستان وتواطؤها الصريح وانحيازها المتطرف للدولة اليهودية ضد الفلسطينيين وتدخلها في شؤون الجميع ومعاداتها لكوريا الشمالية وفنزويلا وروسيا والكثير من الدول التي رفضت الخنوع للهيمنة الامبريالية على العالم.
لقد باتت السياسة الأمريكية اليوم في انحدار شديد نتيجة تدخلها في الشؤون الخارجية لدول العالم، وأكبر دليل على ذلك هو الخسائر التجارية والاقتصادية التي تتوالى على بنوكها وشركاتها تباعاً حتى أن الكثير من تلك البنوك والشركات أعلن عن إفلاسه، ليس ذلك فقط، بل إن مخاسر الحكومة الأمريكية فاقت الـ700 مليار دولار في العراق وحدها التي لم تجن من خيراتها ما كانت ترتجي بسبب المقاومة العراقية الشديدة. وباتت السياسة الأمريكية لا تستطيع توفير الأمن والحماية لجنودها أو حتى حلفائها اليوم. وهذا يستدعي منا الإيغال في عمق السياسات العربية الهزيلة التي بات يتمنى كل عربي حر، وشريف أن يضربها بحذائه. فحصار غزة والقتل البطيء لأبناء القطاع وانقطاع التيار الكهربائي عن سكان قطاع غزة، ومنع دخول الدواء يمثل اكبر انتهاك سافر لحقوق الإنسان، وهذا الأمر يُظهر مدى عجز الدول العربية عن اتخاذ موقف محدد تجاه ما يجري في غزة، ليس لأنها لا تستطيع أن تقف في وجه الهيمنة الأمريكية فقط، بل لأنها تريد إسقاط حكومة حماس بكل السبل المتاحة، حتى لا يتسنى للإسلاميين البروز ضمن المشروع السياسي القائم اليوم وكي تندثر فكرة الدولة الإسلامية أو حتى فكرة الخلافة المرجوة، وليست الدول العربية وحدها من يقف عاجزاً عن اتخاذ موقف قوي وصريح ضد التطرف اليهودي والصهيوني تجاه الفلسطينيين، بل الدول الأوروبية والغربية، والتي تنادي بحقوق الإنسان أيضاً عجزت عن توحيد موقف قوي ضد إغلاق المعابر ومنع الفلسطينيين من العيش بحرية وكرامة كباقي الدول الأخرى، وذلك بفضل الهيمنة الأمريكية على جميع المؤسسات الدولية والعالمية، خصوصاً مجلس الأمن.
وربما سيأتي اليوم الذي سنشهد فيه كثيراً من الأحذية التي ستتطاير فوق الرؤوس وعلى الوجوه الرسمية للأنظمة العربية الهزيلة التي باتت تحاصر غزة، وتصمت عن كل جرائم الاحتلال والمستوطنين، باشتراكها وتواطؤها مع السياسة الأمريكية المتردية، ولا تزال سياسة مصر والسعودية ماثلة أمام الجموع العربية، حين تواطأت كلتاهما مع رئيس السلطة (التي ستنتهي ولايته قريباً) محمود عباس ومنعت الحجيج من الخروج لأداء الفريضة التي اقتضاها ديننا الحنيف. وليس معبر رفح إلا صورة صغيرة لما تتمناه الأنظمة العربية الحالية من هدم المنظومة الإسلامية الآخذة بالتطور والتكاثر يوماً بعد يوم، فمنع المرضى وأصحاب الإقامات والطلاب ومنع دخول البضائع والأغذية إلى قطاع غزة ما هو إلا وسيلة للانقلاب على حكومة حماس الشرعية التي فازت بصناديق الاقتراع وبشرعية الشارع الفلسطيني الذي مل من الفساد والتطرف الحزبي الواحد، وليس ما جرى بالأمس في ذكرى انطلاقة حركة حماس إلا حذاء -بحجم أكبر مما ألقي في وجه بوش الابن- ألقته حماس في وجه رئيس السلطة الذي ظن بأن شعبية حركة المقاومة الإسلامية حماس آخذة في الانحسار والتقوقع حول ذاتها، لكن الحشود الهادرة التي جاءت من كل حدب وصوب، والتي لم يكن متوقع حضورها بهذا الكم والعدد كانت اكبر دليل على شعبية حماس ومشروع المقاومة المناهض للموقف العربي الرسمي الانهزامي.
*عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين
غزة – فلسطين