بوش المحرر... علي المري نموذجا
د. ياسر سعد
[email protected]
لا يتوقف جورج بوش عن إطلاق التصريحات، والتي صبغت عهده الكئيب ومللنا منها،
لتناقضاتها الصارخة مع الحقائق وافتقارها للمنطق والأخلاق. ففي كلمة له أمام معهد
بروكنجز بواشنطن دافع بوش عن جريمة احتلال العراق، قائلاً إن الشرق الأوسط صار
محرراً اليوم. وبالرغم
من اعترافه بأن حرب العراق "أطول وأكثر تكلفة مما كان متوقعاً"، غير أنه اعتبر أن
قرار الحرب كان مبرراً.
وقال
بوش إنه كان على أمريكا أن تقرر إذا ما كان بالإمكان التسامح مع عدو يساند الإرهاب
"واعتقدت وكالات الاستخبارات في كل أنحاء العالم بامتلاكه أسلحة دمار شامل"، زعم
بوش بأن الاستخبارات العالمية كانت تعتقد وبالإجماع بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار
الشامل، هي إضافة جديدة لأكاذيب يبدو أنها تأبى التوقف حتى تنتهي أيام الرجل في
الحكم.
أما حديث بوش عن الشرق الأوسط المحرر فهو حديث لا يدعو للاستغراب فحسب، بل
وللاستهجان الشديد. فكيف كان الشرق الأوسط وكيف أصبح الآن؟؟ هناك أكثر من مليون
ضحية في العراق وملايين المهجرين، وألغاما سياسية ومذهبية وطائفية قد تنفجر في أية
لحظة. وهناك استعلاء إيراني في المنطقة وأحاديث متكررة عن إمكانية إغلاق مضيق هرمز
وتهديد صريح للإمارات لمطالبتها بجزرها الثلاث. أما في فلسطين والتي وعد بوش مرارا
بإقامة دولتها واخلف، ففي غزة ما يشبه الإبادة الجماعية وفي الضفة مستوطنات
واعتداءات. في حين أن الكلمة العليا في خليج عدن أصبحت للقراصنة لتعيد الشرق الأوسط
"المحرر" إلى عهود القرون الوسطى.
ولعل من المفارقات أن حديث بوش عن الشرق الأوسط المحرر تزامن مع موافقة المحكمة
الأمريكية العليا على النظر في جواز الاحتجاز لأجل غير مسمى للقطري علي المري بدون
توجيه اتهام له. وقالت المحكمة إنها ستنظر في استئناف من المري وهو الأجنبي الوحيد
المحتجز حاليا في الولايات المتحدة "كمقاتل عدو" قال محاموه فيه إن بوش تجاوز
سلطاته وتجاهل مبادئ قانونية أمريكية جوهرية.
المري والذي دخل البلاد بشكل قانوني قبل يوم من أحداث سبتمبر لإكمال دراسته العليا
تم توقيفه على خلفية الاشتباه به، ثم أعتبره بوش "مقاتلا عدوا" في يونيو 2003 مما
أدى لاحتجازه في حبس انفرادي في سجن تابع للبحرية الأمريكية بولاية ساوث كارولاينا
من دون توجيه اتهام له. وفي حين يشدد محامو المري ببراءته الأكيدة فإن الرجل والذي
أفني أكثر من سبع أعوام من شبابه من غير محاكمة، يعطينا نموذجا عن معنى الحرية
والتي جاء بها جورج بوش للشرق الأوسط على صواريخ توما هوك وكروز والقاذفات
العملاقة.
إدارة بوش والتي أسأت كثيرا للقيم الأمريكية المعلنة فيما يتعلق بحقوق الإنسان
وبالحريات الشخصية كما حدث في أبو غريب وجوانتانامو والسجون الطائرة وغيرهم، هي
أبعد ما تكون عن حمل رسالة الحريات أو القيم الإنسانية الرفيعة. مع التذكير بأن ما
خفي من ممارسات ومناهج تلك الإدارة وبشكل شبه مؤكد أكثر بكثير مما بدا وظهر.