البرادعي والدور الإيراني
د. ياسر سعد
[email protected]
لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة
الذرية محمد البرادعي في الذاكرة والوعي العربي ظلال داكنة، فليس من السهل نسيان
مواقفه من العراق في مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي والتي كانت متناغمة مع خيارات
واشنطن وأهدافها. وإن كانت تصريحات الرجل ومواقفه العلنية تُظهر أحيانا تباينا
واختلافا عن المواقف الأمريكية والغربية، ربما لإعطائه مصداقية يحتاجها إعلاميا
وسياسيا. البرادعي نال عام 2005، وبعد عامين من احتلال العراق، جائزة نوبل للسلام،
والتي منحت قبله لبيغن ورابين وبيريز. وفيما تتميز تصريحاته بما يتعلق بالملف
النووي السوري بالإبهام والغموض، ربما لتتوافق مع الرغبات الأمريكية بترك الأمور
معلقة ليمكن استخدامها متى دعت الحاجة إليها، لا يجرؤ البرادعي على التطرق إلى
إسرائيل نوويا لا من قريب ولا من بعيد.
أخر ما خرج به علينا البرادعي ،في
تصريحات لصحيفة لوس أنجلس تايمز، دعوته للدول الغربية إلى عقد
"صفقة كبرى" مع إيران من خلال الاعتراف
بدورها في المنطقة وإعطائها "القوة
والهيبة والتأثير" الذي تتوق إليه. ووصف البرادعي
الجهود التي
بذلتها الولايات المتحدة لكبح طموحات إيران النووية
بأنها "فاشلة"، قائلا أن طهران تقترب من امتلاك التقنية اللازمة لتطوير
السلاح الذري. واعتبر أن تشديد
العقوبات عليها ربما أدى إلى مزيد من التصلب في موقفها،
مشيراً إلى أن "عدداً كبيراً من الإيرانيين ممن لا يحبون النظام يتكتلون حوله الآن
لأنهم يشعرون بأن بلادهم تحت الحصار".
وأبدى البرادعي تفاؤله لاحتمال إقامة
تسوية بين طهران والغرب، لافتاً إلى أن
أوباما أوحى له "بآمال كثيرة" بعدما أدخل اقتراحاً
لحظر الأسلحة النووية ودعا إلى فتح قنوات للحوار
الدبلوماسي مع خصوم الولايات المتحدة. ورأى
البرادعي أن احد الحلول الدبلوماسية الممكنة لملف إيران النووي هو أن يلتقي زعماء
البلدين وأن يبحثوا في الملفات المختلفة، وصولاً إلى تنازع الأميركيين والإيرانيين
على
السيادة والتفوق في ساحات المعارك في الشرق الأوسط.
تصريحات محمد البرادعي عجيبة، خصوصا
وأن وظيفته يفترض بها أن تكون تقنية بحتة ولا تتدخل برسم السياسات الدولية، إلا إذا
كان الرجل يتكلم بلسان غيره للتمهيد لإعلان أمر ما. أوباما قال في مقابلة
تليفزيونية انه يدعم اتخاذ موقف حازم ولكن في إطار دبلوماسية مباشرة لإقناع إيران
بالتخلي عن برنامجها النووي، مضيفا أنه يرغب في هذا الإطار لعرض حوافز اقتصاديه على
إيران لكنه هدد بتشديد العقوبات عليها إذا لم تستجب لهذا العرض.
إذا قرأنا تصريحات البرادعي في سياق
المواقف الغربية والتي أصبحت تميل للتهدئة مع إيران، بالإضافة لتمرير الحكومة
العراقية -المدعومة إيرانيا- للاتفاق الأمني مع واشنطن، فمن الممكن التكهن بأن ثمة
اتفاقا إيرانيا أمريكيا في الأفق، إن لم يكن قد تم فعلا، سيكون العرب الطرف الخاسر
الأكبر منه ومن تداعياته. من الممكن ملاحظة التهديدات الإيرانية الجديدة فيما يتعلق
بإغلاق مضيق هرمز واللهجة الشديدة التي استخدمها وزير الخارجية الإيراني منوشهر
متكي في الحديث عن الإمارات العربية، وهي أمور مرت غربيا بهدوء من غير مواقف واضحة
وصريحة وكأن المطلوب منها حمل إشارات للدول العربية للتهيئة لتسديد كلفة فاتورة
الاتفاق الأمريكي-الإيراني.