وقفات مع أحداث بومباي

د. ياسر سعد

[email protected]

إذا كانت أحداث بومباي قد انتهت بعد ثلاثة أيام داميات، فإن تداعياتها الكبيرة وآثارها العميقة ستفرض نفسها على الساحات الإقليمية والسياسية. ولعل أول ما يمكن استنتاجه من تلك الأحداث هو أن المعركة العالمية على الإرهاب في صيغتها الحالية والتي قادها جورج بوش أدت إلى زيادة أعمال العنف وتطور أساليبها وأدواتها واتساع رقعتها بشكل يستوجب مراجعتها وإعادة صياغتها. فالمواجهة العمياء لما يصنف أنه إرهاب دون الوقوف على الخلفيات والوقائع السياسية والإنسانية، والاكتفاء باعتبار أن الاتهام بالإرهاب مبرر لإنزال العقوبات الصارمة والحرمان من الحقوق القانونية أمور أدت إلى تأجيج العنف ودعمت تياراته بالكثير من المتعاطفين والمجندين.

الهند والتي تتقدم باقتصادها وتقنيتها بخطى واسعة، عادت أحداث بومباي لتذكرنا بأنها ما زالت من دول العالم الثالث في تعاطيها مع المسائل الأمنية وتداعياتها. ففي حين كشفت الأحداث عن قصور أمني واستخباراتي كبير، تعجلت الهند باتهام باكستان فيما يتعلق بالمسؤولية عن الهجمات قبل انتهائها أو بدء التحقيق بها. وسارعت قواتها بالهجوم على الأماكن المستهدفة وكأنها كانت تريد الانتهاء من المسألة بسرعة وعدم توفير منبر سياسي للخاطفين وبأي الثمن، الأمر الذي دعا مسؤولا إسرائيليا للقول بأن القوات الهندية اقتحمت بشكل متسرع المباني التي سيطر عليها المسلحون، وكان لزاما عليها قبل ذلك جمع المعلومات للتجهيز جيدا لعملية الهجوم.

الكاتبة ماريا ميسرا شددت في مقالتها في التايمز البريطانية على أن الهند لا تستطيع أن توجه اللوم بأحداث بومباي فقط للخارج، فحركة الطلاب المسلمين لجأت للعنف بعد تدمير الهندوس المتطرفين مسجد آيدويا في 1992، وبعد أعمال الشغب التي حصلت بمومباي في 1993. وتذكر الكاتبة أن السلطات لم تعامل سوى المسلمين كإرهابيين، فقد تعرضوا للاعتقال عبر قوانين استثنائية وقدموا لمحاكم خاصة. بينما يحاكم القوميون الهندوس المتعصبون الذين يقومون بأعمال الشغب أمام محاكم عادية وغالبا لا يتعرضون لأية عقوبات. وتتحدث ميسرا عن فشل السلطات في محاكمة أي من المسؤولين الهندوس عن إثارة الشغب في مومباي 1993 وفي غوجارات، حيث قُتل أكثر من 4000 مسلم عام 2002، في حين يعاني المسلمون الهنود من انتشار الفقر والتمييز الحكومي ضدهم.

أحداث الهند ستشكل ضغوطا كبيرة على إسلام أباد والتي تعاني هي الأخرى من مواجهات دامية، وقد أرادت حكومة باكستان أن تنحني لعاصفة الاتهامات وأعلنت استعدادها التام للتعاون من نيودلهي. وفيما تعاني باكستان من ضغوط أمريكية للسماح للقوات الدولية بالتحرك بحرية في أراضيها، فإنها ستجد صعوبة في الممانعة حال ثبوت تلقي المهاجمين دعما باكستانيا. وفي المقابل فإن الشارع الباكستاني يرفض التدخلات الأجنبية، ومابين الضغوطات الخارجية والداخلية قد يجد استقرار باكستان السياسي الهش أنه الضحية الرئيسية لهجمات بومباي.

وستؤدي هجمات مومباي إلى صعود التيارات الهندوسية المتطرفة وربما قيامها بعمليات انتقامية ضد المسلمين الهنود. كما إن توجيه الاتهام لبريطانيين من أصل باكستاني بالمشاركة في أحداث بومباي سيزيد من الضغوطات الكبيرة على المسلمين الغربيين والذين توضع الكثير من مراكزهم ومقارهم تحت المجاهر الإعلامية والأمنية. 

هجمات مومباي والعدد الكبير نسبيا من الإسرائيليين والذين كانوا في عداد الرهائن تكشف عن العلاقات الوثيقة بين البلدين، الوجود البحري الهندي النشط قرب خليج عدن بحجة محاربة القرصنة وضعف الدور الباكستاني الإقليمي وتآكله أمور ستؤثر سلبا على الأمن القومي العربي.