غزة إلى أين
د. ياسر سعد
تشكل حماس وسيطرتها على قطاع غزة عبئا كبيرا على النظام العربي الرسمي، مع استثناءات محدودة يشكل النظام السوري أبرزها لاعتبارات براغماتية بحتة ولظروف ومصالح اقتضتها الضرورة لكلا الطرفين. ومن المفارقات أن دمشق الأقرب لحماس على مستوى النظام العربي الرسمي ما يزال ساريا فيها قانونا يحكم بالإعدام على من ينتسب لجماعة الأخوان المسلمين والتي تشاطر حماس الانتماء والجذور الفكرية.
فحماس وصلت للحكم عبر انتخابات نزيهة سجلت سابقة عربية تكاد تكون فريدة، وهي تحظى بتأييد شعبي كبير مكنها من تجاوز محاولات إسقاطها وإلغائها والتي تلتقي عليها إسرائيل والسلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية. كما إن تصنيف حماس على المحور الإيراني-السوري جعل منها هدفا ضمنيا لمحور الاعتدال العربي والذي يرى في طهران وطموحاتها التوسعية الخطر الأكبر على استقرار المنطقة ورخائها.
ولأن النظام العربي الرسمي في حالة من العجز شبه المطلق يبدو واضحا من الغياب عن الشأن العراقي والصومالي وحتى السوداني مع استثناءات محدودة، لم يعد للعرب من خيار في التعامل مع إسرائيل سوى مبادرتهم السلمية والتي تمتد أياديهم بها للدولة العبرية منذ سنوات من غير قبول ولا استجابة منها. بل إن بعض الدول العربية أصبحت ترى في السلام مع إسرائيل حاجة ماسة للتصدي للطموحات والمشاريع الإيرانية في المنطقة، خصوصا مع وصول أوباما للرئاسة في واشنطن والتي يعتبرها البعض فرصة كبيرة لإحداث اختراق في عملية السلام.
الاندفاع العربي الرسمي نحو السلام مع الدولة العبرية ترجمته إعلانات تروج للمبادرة العربية بالصحف الإسرائيلية والعربية والعالمية سوقتها السلطة الفلسطينية ووقفت خلفها ومولتها، على الأرجح، جهات عربية. كما تترجم التلهف العربي للسلام عبر دعم الجامعة العربية لمحمود عباس والذي تجلى في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير والذي شكل سابقة في تاريخ الجامعة بالتدخل بشأن داخلي لعضو فيها بشكل صارخ عبر الإعلان عن تأييدها ووقوفها مع التمديد لعباس، واستمراره في تحمل مسؤولياته كرئيس للسلطة بعد انتهاء ولايته في الشهر القادم. أما بالنسبة للحصار على غزة فقد أكتفت الجامعة بالإعلان عن قرار جعلها أشبه بالمنظمات الخيرية العاجزة وذلك باتفاق الوزراء على إرسال المواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية إلى قطاع غزة بشكل فوري!! واستقبال المرضى من الفلسطينيين.
حركة حماس، والتي لجأت للدبلوماسية وأبقت الخيوط الرفيعة ممدوه باتجاه القاهرة ووافقت على الهدنة، تشعر أمام الحصار الشديد على القطاع وإزاء التعامل العربي الرسمي السلبي معها بأن الورقة الأخيرة التي تمتلكها هي مواجهة التصعيد الإسرائيلي بمثله وعدم تجديد الهدنة معها والتوجه للشارع العربي، المحبط من عجز حكوماته، بطلب المساندة لعل تحركات المؤسسات الدينية والمدنية والأحزاب العربية تشكل ضغوطا على حكوماتها والتي تقف موقفا سلبيا من محنة غزة ومعاناة سكانها.
ما يحدث في غزة ستكون له انعكاسات كبيرة عربيا وإقليميا. فعلى الذين يريدون محاربة التطرف أن يغيثوا غزة وأن يتحملوا مسؤولياتهم العربية والإسلامية ويوقفوا شحن النفوس بمشاعر البؤس والغضب والتي ربما تترجم إلى أفكار تكفيرية وأفعال تفجيرية.