ارفع علم الحق يتبعك أهله

–فشل الأحزاب العربية-

د. محمد رحال /السويد

[email protected]

من المعروف ان ابو جعفر المنصور هو ثاني خلفاء الدولة العباسية , وبانيها وابرز رجالات البيت العباسي الذين ينتسبون الى ال بيت النبي  عليهم السلام , واشهر ماعرف عنه تقربه من اهل العلم والفقه والنصح , وذات مرة امر الخليفة المنصور ان يدخل عليه الشيخ الزاهد المشهور عمرو بن عبيد فلما دخل عمرو بن عُبيد على أبى جعفر المنصور وعنده ابنه المهدىّ فقال له أبو جعفر : هذا ابن أمير المؤمنين وولىّ عهد المسلمين

ورجائى أن تدعو له فقال : يا أمير المؤمنين أراك قد رضيت له أموراً يصير إليها وأنت عنه مشغول ، فاستعبَر أبو جعفر ( نزلت من عينه العَبَرات أى الدموع ) ، وقال له : عِظنى يا أبا عثمان قال : يا أمير المؤمنين إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشترِ نفسك منه ببعضها هذا الذى أصبح فى يديك لو بقى فى يدِ من كان قبلك لم يصل إليك . قال : يا أبا عثمان ، أعنِّى بأصحابك . قال : ارفع علم الحق يتبعك أهله ، ثم خرج.

وانا استذكر هذا الموقف استذكرت معه حال الامة , واستفحال حال الانقسام بينها , وحال الاستكانة  المستشري في جلد وعظم الامة , وهذا الانقسام الذي يزيد من سعاره الاعداد الهائلة للاحزاب والجماعات المنتشرة على الساحة الجغرافية  لامتنا , التي ابتلاها الله باصحاب العقول الانانية والتي لاترى الاخرين الا من زوايا مصلحية فردية , في الوقت الذي ترى ان العناوين الحزبية ضخمة وهائلة , ولدى دراسة متفحصة لهذه الاحزاب فقد تبين لي ان هذه الاحزاب وعلى كثرتها وانتشارها  لم تستطع الوصول الى قلب المواطن البسيط , وعندما اسقطت مقولة الامام الزاهد عمرو بن عبيد  لخليفة المسلمين ان ارفع علم الحق يتبعك اهله , وجدت ان الاسقاط كان بمكانه تماما , فلم اجد في هذه الاحزاب الا نماذج من الاحزاب التي اجتمعت على الضلالات الا ماندر, فانى لها ان  تقيم الاعوجاج ’ لتستقيم بها امتنا , ووجدت فيها احزابا انصرفت  عن نصرة امتها واعتمدت الشعارات البراقة واللماعة لجذب اكبر عدد ممكن من الانصار ناسية ان هناك اخرين باستطاعتهم نهج نفس السلوك الانتهازي وهذا مايفسر هذا التشظي  الحزبي المصلحي والذي لن يقدم لامتنا الا الخراب واليباب , ولقد استفدت من الغربة التي اعيشها في دولة كالسويد ان اراقب  التطور الحقيقي للشعوب المتقدمة ورايت كيف ان مؤسسي الاحزاب يتخلون عن مكانهم الرفيع في الحزب وينصرفون لاعتقادهم ان وظيفتهم تجاه امتهم قد انتهت بحلول عقول جديدة وافكار جديدة ودماء جديدة ودونما اي انزعاج او تحسس , بل وبكل رضا ومباركة , في الوقت الذي تغوص فيه احزابنا في عبادة الفرد المؤسس للحزب , والذي يتحول الى الاه لايناقش ولايخطيء ولاياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه , وتناوله بالنقاش قد تكون دونه قطع الرقاب , والمصيبة ان افكار البعض من هؤلاء لاتتجاوز فكر مراهقة فكرية استمزجها البعض  وتحولت الى حزب قائم بحد ذاته , فصعدت الى السلطة بانقلاب  مسلح , فاطاحت بكل قيم البلد , لتنشأ على اثرها ديكتاتوريات هي اقرب الى الهزء والمساخر في افكارها وتصرفاتها , بل ولقد اطلعت على بعض مؤلفات هؤلاء القادة , واكتشفت انها اقرب الى التخريف منها الى التاليف ومع ذلك فقد طبع منها ملايين النسخ لتمجيد زعيم  مجنون  سقط عنه الحد , بعد ان استباح كل الحدود, وساعده وامثاله في ذلك عقلية المنافق السائدة والرائجة في مجتمعاتنا المباركة , فما  ان يصل الزعيم الى كرس السلطة حتى  وبأي وسيلة انتهازية كانت لتجد الالاف المؤلفة من البشر يتهافتون هاتفين بحياته , وترى مسيرات التاييد , ووثائق البيعة بالدم تنهال على كرسي مجده وبلا حدود , وينبري الآلاف من الادباء والكتاب والاعلاميين الى شرح افكار القائد الجديد , ويستيقط هذا القائد المهبول  ليجد نفسه الاها يعبد في كل مكان , وليجد تماثيله  وقد ملئت الساحات بها وسط امة جاء نبيها لهدم كل التماثيل والنصب , المادية منها  والمعنوية والتي تعشعش في القلوب  داعيا الى رب واحد لاشريك له, ولتغرق البلد التي يحكمها في ظلمات داجية من التخلف الفكري والانساني , ولتقاد الجماهير المؤمنة بفكر القائد قسرا  على شكل حشود لاتنتهي ووسط طقوس تعبدية يقف فيها القائد المجنون امام شعبه , وكانه يقول انا ربكم الاعلى , وحال قادة الاحزاب  في اغلبها لاينقصهم تلك الروح الفرعونية , والا ماهو الذي يفسر عدم شعبيتها والتي انحصر مؤيدوها ضمن  نطاق عقلية قائد الحزب  المغلقة والتي تحتاح الى من يطورها ويفتحها , ويقول له ولاتباعه ان هناك عالما اوسع بكثير مما هو وحزبه فيه , وغدت هذه الاحزاب عبئا على الامة وعلى المجتمع وعلى اصحابها , فما زالت عقلية المفكر في بلداننا تخضع الى طقوسيات بلهاء ومضحكة , وكم قابلت من هؤلاء القادة وكم ضحكت على تلك  على الرسميات التي لطخوا بها شخصياتهم ليحولوا شخصياتهم التي كرمها الله الى مجرد شخصيات اقرب الى الكرتونية منها الى الحية, وهذا مافسر لي سبب تخلف الاحزاب في امتنا  التي اعتمدت على شخصية الزعيم ولم تعتمد على  فكر الحزب , وكم كنت احب من قادة هؤلاء الاحزاب ان يلتقوا مع بعضهم فيشكلوا اتحادا واحدا ويسموه اتحاد الاحزاب الفاشلة , فقد يعطيهم  الاسم بعض القوة ,وبعض المتعة بدلا من تضييع اوقاتهم واوقات اتباعهم في شؤون صبيانية يحسبها الظمآن ماء , ومع فشل تلك الاحزاب فانهم لايجدوا غضاضة في ان  يتلمسوا اقرب الطرق واكثرها انتهازية للوصول الى اي كرسي  تمنحه الديكتاتوريات  المنتشرة  كالسرطان في جسد امتنا المريضة بابشع انواع الامراض فتكا , ولهذا فاننا لن نستغرب ابد ان نجد حزبا يدعي الاسلام ثم نجده يسجد لمن احتل بلده وقهر شعبه , وان نجد حزبا شيوعيا يساريا ينحني ليقبل اقدام المحتل الامريكي  الامبريالي , او ان نجد حزبا اخر باع كل تاريخه النضالي من اجل مقعد  برلماني او وزارة تافهة , ولهذا فقد سقطت هذه الاحزاب وسقطت راياتها قبل ان ترفع لانها لم تعمل بنصيحة عمرو بن عبيد  لثاني الخلفاء العباسسين , والذي استفاد من نصيحة الامام الزاهد فرفع اعلام الحق وتبعه اهلها , فاستطاع ان يؤسس دولة كانت عبر التاريخ من اكبر امبراطوريات العالم.