دعاء غير مستجاب

دعاء غير مستجاب

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

عقب انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية ، طالعت رسماً ساخراً في " القدس العربي " فيه صورة لعربي يختم صلاته ويرفع يديه بالدعاء قائلاً : اللهم اجعله نجاشياً معنا ، أبرهة مع أعدائنا ، عنترة على الظلم ، كافوراً على الظالمين ، بلالاً في الحق .. وفى الخلفية تبدو صورة أوباما كأنه أحد الملائكة أو الأبطال الأسطوريين الذين تنعقد عليهم آمال المستضعفين في أرجاء الأرض .

العربي الذي يدعو ربه أن يكون أوباما في صف العرب ، واضح أنه يائس من أن يقوم العرب بأي فعل أو تحرك ، فهم في اعتقاده قد استسلموا للعجز والهوان ورضوا بالأمر الواقع ، ولم يعودوا يملكون غير الدعاء المستجاب !

من المؤكد أن العرب – لو أرادوا – قادرين على الفعل والحركة ، ويمكنهم لو رغبوا أن تكون دعواتهم مستجابة ، شريطة أن يلتزموا بشروط الاستجابة وأولها الإخلاص لله ، ثم العمل وفقاً للطاقة " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. " ومن الواضح أن الإخلاص لله مفتقد بدليل الأطماع والأحقاد والضلال عن منهج الله . ثم إن العرب لا يعملون لا وفقاً للطاقة ، ولا أدنى من تحت الطاقة  . هم لا يعملون أصلاً ، مشغولون بأنفسهم وذواتهم التي تضخمت وتورمت ، ولم يعد يعنيها أمر الدين أو الأمة ، بل إن كثيراً منهم لا يتورعون عن محاربة الدين والأمة جميعاً ، بالقول أو الفعل أو التواطؤ .

والطاقة المتاحة للعرب ليست هينة إذا ما أرادوا استخدامها ، فهم يملكون – لو أرادوا – قدرات اقتصادية وعسكرية وسياسية وثقافية وإنسانية يمكن أن تنقلهم من حال إلى حال ، وتجعل الأعداء والخصوم يسلمون بكثير من حقوقهم إن لم يكن كلها ، ولكنهم للأسف ، لا يريدون استخدام قدراتهم أو طاقاتهم ، ويكررون ما فعله اليهود قديماً مع موسى عليه السلام ، وتحدث عنه القرآن الكريم : " قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ  "  ( المائدة : 24 )

العربي في الرسم الساخر يدعو ربه أن يجعل أوباما " نجاشيا " ينصر المسلمين في محنتهم ، وضعفهم ، فالنجاشي هو الذي استقبل المسلمين المهاجرين إلى الحبشة في مطلع الدعوة ، ويتمنى العربي أن يكون أوباما مثل أبرهة الحبشي في قوته ليسحق أعداء العرب والمسلمين ، وأن يصبح مثل عنترة العبسي في شجاعته وانتصاره على الظلم والظالمين ليتحقق العدل ، ومثل كافور الإخشيدي في السياق ذاته ، ومثل بلال بن رباح في التمسك بالحق والعقيدة مهما كانت الضغوط والآلام .

ووالدعاء يكشف أن العرب والمسلمين لم يعودوا قادرين على الانتصار أو ردّ الظلم ، وأن أملهم معلق بالسيد باراك أوباما الذي انتزع النصر من  منافسه جون ماكين ، ففاز بثلاثة وخمسين بالمائة من الأصوات ، بينما حصل المنافس على نحو سبعة وأربعين بالمائة من الأصوات .

ومن حق العرب أن يتفاءلوا مثلما العالم بفوز أوباما ، وهزيمة ماكين ، فأوباما يمثل العنصر الأسود المستضعف ، الذي تلقى أجداده كثيراً من الإهانات والاضطهاد مثله مثل بقية السود في أمريكا ، الذين عانوا من الفصل العنصري والتمييز البغيض ، وأوباما كما أعلن في حملاته الانتخابية الرؤية الأقرب إلى الواقعية في معالجة القضايا الدولية ، حيث لا يتحمس لاستخدام القوة واحتلال بلاد المسلمين وفرض الديمقراطية (!) الأمريكية بالقوة ، وهو لا يعلن عن صليبيته الاستعمارية الوحشية ، بالطريقة الفجة التي يعتنقها صاحبه ، والحزب المنافس بقيادة الرئيس المنصرف جورج بوش ، ثم إن أوباما يسعى لحل المشكلة الاقتصادية الأمريكية التي نتجت عن سياسة الحرب والهيمنة التي طبقها الجمهوريون وأدت إلى انهيار وإفلاس عديد من البنوك الكبرى في أمريكا والعالم ..

العرب سعداء بانتصار أوباما ، وزوال غمة " جورج بوش " وعصابة الصليبيين المتوحشين في البيت الأبيض ..

ولكن هذه السعادة ، فيما أرى لن تمتد إلى تحقيق دعاء العربي وهو يختم صلاته في الرسم الكاريكاتيري .. فالسيد أوباما أعلن قبل انتخابه وفى أثناء زيارته لفلسطين المحتلة انتماؤه الصهيوني الصريح ، وتأييده الواضح بلا حدود للغزاة اليهود القتلة ، وضمان أمنهم سلامتهم وتفوقهم ، والاعتراف بالقدس العتيقة عاصمة أبدية وتاريخية لكيانهم الإرهابي .. وقد خيب ظن الذين عدوا تصريحاته هذه من قبيل الدعاية الانتخابية ، فقد كان أول قرار يتخذه هو تعيين صهيوني سفاح متعصب اسمه " رهام عمانويل " رئيساً لموظفي البيت الأبيض [يشبه المستشار الخاص للرئيس ، والمؤثر في قراراته بصورة قوية وفورية ]. والسيد رام كان متطوّعاً في جيش الغزاة اليهود بفلسطين المحتلة ، وشارك في حرب الخليج الأولى ، ووالده من غلاة المتشددين الصهاينة وشارك في منظمة إيتسيل اليهودية التي قتلت كثيراً من العرب ، وهجرت الألوف منهم ، ودمرت عديداً من القرى والبيوت . الرجل إذاً صهيوني حتى النخاع ، وولاؤه للغزاة اليهود القتلة ، والرجل الثاني الذي اختاره أوباما هو الصهيوني " دينيس روس " وهو لا يقل تعصباً عن رام ، بل هو صانع سياسة التمزيق الفلسطيني والضياع العربي من خلال مفاوضاته مع العرب والفلسطينيين لصالح اليهود الغزاة ، وأعتقد أنه في ظل أوباما سيفعل ما هو أكثر من ذلك . أما " جون بايدن " نائب أوباما ، فقد أعلن عن صهيونيته التي تفوق صهيونية الرئيس ومعاونيه الذين عرفهم الناس والذين سيعرفونهم عما قريب !

إذاً فإن الدعاء الذي أطلقه العربي عقب صلاته في الرسم الساخر بصحيفة القدس العربي غير مستجاب ، لأن الرئيس أوباما منحاز سلفاً إلى أعداء العرب وظالميهم ولن يتغير موقفه أو موقف حكومته اللهم  إلا إذا تغير العرب أنفسهم ، وطبقوا المقولة الإلهية الواضحة الصريحة :

"إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ  " ( الرعد : 11 ))

والسوء المذكور في الآية مرتبط بالقوم الذين لا يريدون تغييراً ولا انتقالاً من حال سيئ إلى حال طيب ، فعاقبهم الله بالسوء جزاء وفاقا ..

يوم يتغير العرب فسوف يتغير موقف الحكومة الأمريكية الثابت ، وإذا عرفنا أن السياسة الأمريكية الخارجية لا يصنعها الرئيس الأمريكي بقدر ما تصنعها المؤسسات ، وتقوم على أسس ثابتة هي المصالح الأمريكية ، فإن هذه السياسة لا تتحرك في أي اتجاه إلا إذا كان نحو المصالح الأمريكية . وقد أخفق العرب في تغيير السياسة  الأمريكية على مدى قرن من الزمان ، لأنهم لم يسعوا إلى تغييرها ، ولم يعملوا من أجل هذا التغيير .. بل العكس أقنعوا الإدارة الأمريكية أنهم ليسوا في حاجة إلى التغيير الأمريكي .. وذلك من خلال :

1-  صدّقوا الإدارة الأمريكية في كل ما تقول ، ولم يحاولوا أن يحذروها فضلاً أنهم لم يكذبوها ، ومع أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، فقد لدغوا عشرات المرات مما يطرح التشكيك في مسألة الإيمان من عدمه أيضا .

2-  وضع العرب أموالهم ومدخراتهم وثرواتهم تحت يد الإدارة الأمريكية تتصرف فيها كيف تشاء ، وحتى الآن ، وبعد أن أثرت الأزمة الاقتصادية على العرب ، فما زالوا مربوطين بالدولار الأمريكي ، متولهين بحبه والذوبان في عشقه ، مع أن دولاً أخرى تخلصت من ذلك وتعاملت مع العملات الدولية جميعاً ، وحرصت على تحرير اقتصادها من التبعية للاقتصاد الأمريكي . ثم إن الرئيس الأميركي سيعتمد على العرب في حل الأزمة الاقتصادية لبلاده وللغرب عموما من جيوب العرب ، والسوابق عديدة وشاهدة .

3-  اتبع العرب سياسة غريبة وعجيبة ، وهي وضع أعينهم وآذانهم على ما يصدر من الولايات المتحدة تجاه سياستهم وثقافتهم واقتصادهم فإذا قالت أمريكا إن هذا الأمر لا يعجبها أيا كان هذا الأمر ولو تافهاً تسابقوا إلى إرضائها وتصحيح نظرتها وكثيراً ما نجد صحف السلطة في العواصم العربية تبرز ما تعتقد أنه رضا أمريكي عنها ، ولو كان مجرد كلام ديبلوماسى  روتيني لا قيمة له ، مع أن الواجب أن ترضى شعوبها أولا ، وتحقق مصالحها قبل مصالح الآخرين ..

إن دعاء العربي الطيب غير مستجاب ، ما لم يغير نفسه ويأخذ بالأسباب ، ولن ينفعه أوباما  أو غير أوباما ..