السودان والإرهاب المباح
د. ياسر سعد
[email protected]
اختطاف الصينيين العاملين في القطاع
النفطي في السودان وقتل خمسة منهم، يشكل فصلا جديدا في استهداف السودان ووحدته،
الاختطاف واحد من الثمار غير المباشرة لطلب المدعي في المحكمة الجنائية الدولية
لويس أوكامبو إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وهو الموقف الذي
حذر العديد من القادة والسياسيين الأفارقة من أنه سيصعد الصراع في دارفور، ويصلب
مواقف المتمردين ليجعل من اتفاق السلام أمرا مستبعدا. كما يمكن قراءة استهداف
الصينيين من خلال التنافس الصيني الغربي وتحديدا الأمريكي على النفوذ في القارة
السمراء عموما وفي السودان بشكل خاص. فلقد أصبحت الصين هدفا لانتقادات غربية
لعلاقاتها الوثيقة بالحكومة السودانية تحت شعارات حقوق الإنسان ، كما تعرض الوجود
الصيني بالسودان لتهديدات صريحة من الجماعات المتمردة والتي تلقى دعما غربيا.
الملاحظ أننا لم نسمع أو نرى موقفا
غربيا يدين عملية خطف الرهائن الصينيين وقتلهم أو توصيفه وتصنيفه بالعمل الإرهابي،
في حين لا يتوقف التنديد بمواقف الحكومة السودانية وكيل الاتهامات لها بانتهاكات
حقوق الإنسان والتي تستوجب تدخلا دوليا ولو كان عسكريا. عدم التنديد الغربي
والأمريكي بوضوح بالأعمال الإرهابية التي تستهدف السودان وحكومته تكرر أيضا في
عملية خطف الطائرة السودانية في أغسطس الماضي والتي اتهم السودان فصيلا متمردا
بالوقوف خلفها.
ومع أن الحرب على الإرهاب ومواجهته
يفترض أنها تشكل أولوية عالمية عسكريا وسياسيا وماليا وإعلاميا، فإننا نلحظ أن قضية
الإرهاب ومكافحته أصبحت وسيلة سياسية تستخدم غالبا بحق المعارضين للسياسات الغربية
والأمريكية، خصوصا من العرب والمسلمين. وفي الوقت الذي توصف أعمال مقاومة الاحتلال
إن كان في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال بالإرهاب، فإن الأعمال الإرهابية
والتي ترتكب ضد المدنيين في تلك البلاد من الولايات المتحدة وحلفائها يتم التعامل
معها بلا مبالاة بل وتصنف بأنها لمكافحة الإرهاب.
وبالرغم من توجيه السلطات الفيدرالية
الأمريكية تهماً لأمريكيين من البيض، بالتخطيط لقتل مرشح الحزب الديمقراطي باراك
أوباما، بالإضافة إلى التخطيط لقتل أكثر من 100 أمريكي من أصول أفريقية، منهم 14
بقطع الرأس، بحسب مسؤولين فيدراليين، فأن الإعلام والمسؤولين الأمريكيين تحاشوا على
نطاق واسع وصف المتهمين بالإرهاب.
أما سارة بالين، مرشحة الحزب الجمهوري
نائبة للرئيس، فقد امتنعت في مقابلة تلفزيونية عن وصف الأشخاص الذين نفذوا سابقا
اعتداءات دامية بالقنابل على عيادات تُجري عمليات إجهاض بأنهم إرهابيون، وردت على
سؤال إن كان يمكن وصفهم بذلك بأنها لا تدري. وفي نفس المقابلة اتهمت بالين، باراك
أوباما بالاختلاط بإرهابيين بسبب المعرفة الذي تربطه بالناشط السابق من اليسار بيل
آيرز الذي تبنى تنظيما أنشأه في مطلع السبعينيات اعتداءات بالقنابل استهدفت
البنتاجون والكونجرس احتجاجا على حرب فيتنام. وهنا نلحظ أن بالين والتي تعارض
الإجهاض امتنعت عن وصف العنف المسلح ضد ممارسيه بالإرهاب في حين لم تتردد عن
استخدام وصف الإرهاب ضد تنظيم يساري أمريكي للنيل من أوباما، بمعنى أخر فإنها
استخدمت مسألة الإرهاب كوسيلة سياسية، وهو ما دأبت إدارة بوش على فعله منذ وصولها
للحكم.