نرجسية الكاتب وعنجهيته

وليد رباح

[email protected]

والكاتب كما نعرف ليس من يكتب العرائض امام ابواب المحاكم كي يتقاضى عشرة قروش جراء ديباجته المعروفة، والتي تبدأ  بسعادة او سيادة او سماحة أو عطوفة..  وتنتهى والله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه .. ولكني اقصد شبه المفكر ممن خرجوا الينا في هذا الزمان بسطرين مبسترين حلم صاحبنا بهما او اختزنهما في عقله من كاتب آخر ربما كان في عالم الاموات مضيفا اليهما حرفا او شبه حرف  .. ثم قرأ ذينك السطرين مرات ومرات ليس لمراجعة وتصحيح ما كتب .. وانما ليتغنى وحيدا  بعقله المتفتح وأرائه العظيمة التي لا يشق لها غبار ولا يأتيها الباطل او النقد او  التسفيه .. فباعتقاده ان ما كتبه لا يختلف عما كتبه الزمخشري او الفراهيدي او الجاحظ او طه حسين  او غيرهم .. واغلب الظن ان كل من كتبوا على تلك الشاكلة سوف يقول ان هذا الكاتب الغر كتب كلمته موجهة للاخرين وليس لي شخصيا .. فانا .. انا الاول والاخر ولا شىء سواي .

ولقد عرفت اثناء تجوالي في المواقع الانترنيتية ( امة)من الكتبه .. قد لا يقاسون بكتبةالعرائض  والاسترحامات  الا لماما .. فهم يقرأون  فقط ما كتبوا .. ولا يأبهون للمفكرين او كتاباتهم وثقافاتهم ان كان هناك ثقافة مستقاة من تلك المزبلةالمسماة ( الانترنت) وجل همهم صورة ملونة محسنة ايام الشباب ان كانوا شيوخا .. وتزويقا للكلمات احمرها واسودها واخضرها ان كانوا شبابا .. وبعضهم يفرض عليك ان يكون في مقدمة الكتاب ويغضب ان رأى صورته يسبقها صورة لاخر ..  حتى ان احدهم كتب لي ان انتزع صورته لان موقعها  لا يناسب كتاباته العظيمة فشطبته كليا من القائمة  احتجاجا على عجرفته ..

ومما يؤلم حقا انك تصحح عادة ما يأتي اليك وفق الوقت والقدره .. ولكن اولئك يصرخون ويملأون الدنيا صياحا لان التصحيح اصبح في نظرهم تلاعبا بالموضوع .. ولا يؤكد احد على ان التصحيح  وفق القراءة كاملا ..فلا بد ان تهرب كلمة او جملة اثناء القراءة فلا تنتبه لتصحيحها .. ومع كل ذلك .. فان الاخلال بالموضوع  وفق التصحيح يجعل اولئك في اعلى درجات النرفزه ..فاذا ما طلبت منهم قراءة الموضوع بعد كتابته لتصحيحه اعتبروا  تدخلك سافرا ولا يجوز .. ولقد كتب لي احدهم جملة اقل ما يقال فيها انها ( وقحة ) عندما تغير حرف في جملة كانت خطأ فظن نفسه الفراهيدي فقام بشتمي ..

وليس غريبا ان نرى اولئك وقد احتلوا  مواقع في كتاباتهم تعتبر نفسها مواقع  حضارية او ثقافية او علمية مع ان كتابات اولئك لا تساوي نكلة في العملة العثمانية القديمه .. وهي تعج بالاخطاء اللغوية ولا تلتزم باولى مبادىء الكتابة وتعتبر القراءة الرشيدة ملحمة رائعة الى جانب ما يكتبون .. ومرد ذلك الى ان اصحاب تلك المواقع او مديروها  ليس لديهم من الثقافة ما يؤهلهم لكي يحكموا على تلك الكتابات فيظنوها صالحه .. فتحتل مركزها على الصفحة الالكترونية دون تمحيص  وتصحيح فتخرج مثلما البثور على الوجه تقرحه ولا تساوي شيئا .. لذا فانك ترى  من يسمي نفسه كاتبا وفر في جيبه بعض النقود قد قام بانشاء موقع دفع تكاليفه لكي يظهر امام الملأ على انه يمتلك ما لم يمتلكه الاخرون .. وانه الجهبذ الذي لم تكن كتاباته تلاقي صدى او قبولا في اسوأ جريدة او مجلة قد اصبح صاحب موقع  يتغنى هو وحده بجمالياته ورفعته ..وقس على ذلك مما غدا يسمى بالمدونات .  ففيها من ( الدش) الكلامي ما يعتبر فتحا في عالم  الفكر والادب والثقافة .. اللهم لا حسد .

ويتبارى اصحاب المواقع  اولئك باغراء الكتاب والمثقفين للكتابة في مواقعهم .. فمن قروب الحيارى الى قروب السهارى الى تلميع مواقعهم باسماء انثوية ليس لها وجود .. ظانين ان الثقافة اصبحت  لا تقاس الا بالتفكير في الانثى وميزاتها وتدوير ردفيها وتكويرهما ودقة صنعة الانف والرموش وبروز الاظافر .. ومع هبوط البعض الى هذا الدرك فانا لا نلومهم بالقدر الذي نلوم فيه هذا العصر الذي لا لون له و الذي جعلنا نهبط الى المستوى السفلي فكل شىء فيه غدا هابطا ..الثقافة والشعر والادب والفن ومواطن الابداع  .. حتىالاغاني التي كنا نستمتع بها فيما مضى اصبحت ترقيصا وثني بطون  وهز ارداف وتشليح وتمليح وكأنما نعيش في جهنم .. ثم من بعد ذلك يقولون لك بملء افواههم اننا نعيش العصر .. اما انتم فمتخلفون . فهل التخلف ان تحافظ على تراثك من ان يندثر ..

وفي كل ذلك نحن لا نقول اننا عباقرة هذا العصر..فكل له اخطاءه التي يقع فيها مرغما.. ولكنها اخطاء  قد تجد لها عذرا لكثرة ما يأتينا من مواضيع شتى  نحبس انفاسنا عندما نصححها خشية ان تهرب منا جملة او كلمة ربما اساءت للموضوع . والنصيحة التي يمكن ان نسديها لاولئك ان يقرأوا الموضوع بعد كتابته مرات ومرات .. فاذا تعثروا في اللغة فلا بأس من ان يقرأها من يعرف اللغة .. وليس في ذلك من عيب..والعيب ان لا يتطور الكاتب من خلال قراءاته .. ونصيحة اخرى ان القراءة المكثفة والمختارة يمكن ان تحسن اللغة الى درجة كبيره .. فاختاروا من الكتب انفعها ولا يعتمد في ذلك على المجلات والصحف السيارة ففيها ايضا الكثير من الاخطاء .. وتلك ساندويتشات كتابية  تهدف الى  تزجية الفراغ فقط .. فاما الزبد فيذهب جفاء .. واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض .. وتحياتنا.