لا تخافوا الإخوان المسلمين لأنهم يخافون الله

جبهة علماء الأزهر

قال الأزهر من  أكثر من نصف قرن

 تحت هذا العنوان كتب الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات رئيس تحرير مجلة الرسالة، والذي رأس تحرير مجلة الأزهر الشريف أيضا حينا من الدهر يقول:

قال لي صديق من أدباء الأقباط أعرف فيه وِزانة العقل ورزانة الطبع ؛وقد جرَّنا الحديث إلى ما يكابده هذا البلد المسكين من شهوات أبطلت الحق، ونزغات أقلقلت الأمن، ونزعات بلبلت العقيدة:" ألم يكن من الخير لمصر ألا يكون فيها إلا إخوان مصريون؛ لامسيحيون ولا مسلمون؛ لتدوم الوحدة  وتزيد الألفة؟؛ لقد نقمنا من المبشرين أنهم أنبتوا في القاهرة فرعا "لجمعية الشبان المسيحيين"، وكنا نود الا يجاريهم في مثل ذلك الذين أنشاوا"جمعية الشبان المسلمين"، فإن الأمر لابد يجري في الجمعيتين على حكم العصبية الدينية، وفي هذه العصبية تهوين للصلات الطبيعية التي تصل المواطن بالمواطن؛ وإن كان هذا التوهين لا يزال ضعيف الأثر لغلبة العوامل الرياضية والثقافية على نفوس الأعضاء في هاتين الجماعتين،ولكني أصارحك ولا أداجيك أن ما نخشاه من" الإخوان المسلمين أبعد من الأثر وأقر ب إلى الخطر مما نخشاه من أي حزب ومن أي جماعة، ذلك لأن الإخوان ميدانهم أوسع، ودعوتهم أسرع،ووسائلهم أنفذ، وغايتهم أبعد، إنهم يريدون حكما غير الحكم،ودستورا غير الدستور،ونظاما غير النظام، ولا أدري كيف نكون نحن إذا غلب دينٌ واحد على دنيا مشتركة، وطُبِّق دستور معين على حياة مختلفة؟".

فقلت له- وقد وافقته على ما رأى من قوة الإخوان،ونفاذ دعايتهم،وبعد غايتهم: "أنا أدري كيف تكونون. تكونون إذا ما أراد الله لحزبه أن يغلب، ولشرعه أن يحكم، ولنوره أن يتم، كما كنتم في عهد الخليفة عمر: لكم ما للمسلمين من حق، وعليكم ما عليهم من واجب. أما إذا كان قد وقع في عهود بعض الواغلين على الوادي حماقات أورثكم هذه الوساوس، فإنما كان وقوعها ضلالا في العقل لغيبة الهادي، وشططا في الحكم لعطلة الدستور، وما كان الهادي الذي أغفلوه غير دين الله، ولا كان الدستور الذي عطلوه غير كتابه، والعقيدة يومئذ كانت في أكثر الناس إيمانا بالاسم وكفرانا بالفعل، وأنتم اليوم أقرب إلينا ؛وأعز علينا مما كنتم أيام الوالي عمرو؛ لأن العلاقة بينكم وبين المسلمين كانت في القرن السابع علاقة فتح وجزية، فأصبحت في القرن العشرين علائق وطن وجنس، ولغة وأدب، وثقافة، وتاريخ، وما أظنك تماري في أن أكثر المصريين أقباط أسلموا، وأنت لا تخشى صاحب الدين ما دام يستشعره، ويستظهره، ويعمل به، فإن الأديان جميعا تتفرع من أصل إلاهي واحد؛ هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما تخشى من يعتقد أن إلاهه في السماء وليس معه على الأرض، ومن يحسب أن غاية دينه كلمات وحركات تؤدى في كل فرض!، والإخوان المسلمون قوم تآخوا في الله ،وتواصوا بالحق، وتوافوا على المحجَّة، وتعاونوا على البر، واستبطنوا حقيقة الدين، دستورهم القرآن، وهو بيِّن، وحكمهم الشريعة، وهي سمحة، ونظامهم المحبة،وهي أجمع، وغايتهم الإنسانية، وهي أشمل، والإسلام أنزله اللطيف الخبير، الذي يعلم من خلق؛ ليكون سلاما لكل نفس، وقِواما لكل عمل،ونظاما لكل جماعة، ودنياه العامة التي يحكمها وينظمها لا بد أن يكون فيها العربي والأعجمي، والذمي والوثني، فلا جرم أن الله يدبر بحكمته الأمر على أن يعيش هؤلاء جميعا سعداء في ظله، وماذا تخاف من" الإخوان المسلمين" وهم يتلون كل يوم قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ؟(البقرة:62)، فقال صديقي وقد نقع ما قلتُ نفسَه:

"إذا كان رأى الإسلام  من المخالفين هذا الرأي، وكان "الإخوان" مسلمين بهذا المعنى؛ فإنا لنرجو أن يكون أساس المصريين جميعا في البناء هذا الأساس: إيمان خالص بالله، وعمل صالح للناس!

 كتبت ونشرت بمجلة الرسالة العدد 978ليوم الإثنين 5 من رجب 1371هـ الموافق 31مارس 1952م.

 ونحن نقول اليوم بما قلنا به من قبل، ونزيد: أن  من ضمان صلاح العمل للناس أن يكون صالحا أولا لله بحيث لا يبتغى فيه إلا وجهه، فما كان لغيره لا يكون، وما كان لغير الله  فيه نصيب لا يدوم، وأن تدوم معه العزة، ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً)،وإذا كان العمل على وفق ذلك لله فلا يُقبل أن يبقى المعروف على حاله إذا ديست بسببه حرمات الله، وانتهكت حقوقه، واستخف بكرامة عباده، وطاولت الذنابى الرءوس وتطاولوا على الله، عندئذ يكون من الفرائض المقدسة تأديب المجرمين القاتلين الذين أعذرنا إليهم وظنوا أن الأمر انتهى عندنا بالبيان، وظنوا بنا ظن السوء،( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

صدر عن جبهة علماء الأزهر عصر الخميس 9 من شوال 1429هـ

الموافق مثيله من سبتمبر 2008م