خطوط الحرب العنصرية في العراق
جاسم الرصيف
القسم الأول
كعادتهما ، وخلافا لكل القوانين الدولية ، ومناهضة لكل القيم الأخلاقية ، رسمت اميركا وبريطانيا في آن خطوط فصل عنصري ، يمنع فيها الطيران الوطني ، في العراق عام ( 1991 ) ، اشهرها خط عرض ( 36 ) ، محميّة لجواسيسها المنتخبين من ( اكراد ) العراق ، زجّت فيه بكل الجواسيس الذين تعاونوا معهما ومع غرهما من الدول الغربية وقد اعلن واحد منهم ، على سبيل المثال : أياد علاّوي ، أنه تعامل مع ( 16 ) وكالة مخابرات أجنبية لإسقاط الحكومة العراقية ، واعلن اكبر لص ّ دولي : احمد الجلبي حربه ، كما فعل علاّوي ، ضد الحكومة من شمال ( كوندي ) ثم طبق الجلبي واياد علاّوي نظريات الحرب العنصرية في إجتثاث عرب العراق ، ونجحا ، بالتعاون مع الحكيم والطالباني والبرزاني والهاشمي والدليمي والجعفري ، في قتل مئات الألوف وتهجير ستة ملايين من عرب العراق في الداخل والخارج .
كما أنشأت الدولتان ( الأعظم في الإستهانة بالعرب والمسلمين ) خطا يفصل جنوب العراق النفطي لتحمي فيه من توسمت بهم عمالة من ( شيعة ) العراق ( المظلومين !؟ ) منذ ( 80 ) عاما من قبل حكومات نصبتها بريطانيا اصلا ، تحت شعار حماية الأقليات ، التي كبرت بقدرة كذابين ، حسب خرائط الحروب العنصرية التي خططت لها الدولتان ، وصارت هذه المحميات ، وبالتعاون مع دول عربية ، مضبعة خضراء عام ( 2003 ) مازالت محاصرة ، وعارا مرفوضا من شرفاء العرب الشيعة والأكراد الذين لم تغرهم أموال الدولتين لبيع وطنهم ، ولم تظهر منهم قوات ( غفوة ) ولا قوات ( صحوة ) تؤازر الإحتلال الأمريكي الذي إنسابت من تحت حماقاته اذرع إحتلال ايراني صاحبته سطوة ( كوندية ) إستنزفت الكثير من دماء العرب وغيرهم في شمال العراق .
واذا كانت مسألة الحصار الدولي الذي فرض على العراق مبنية على ( خرق ) للقوانين الدولية ، كما سمّي ومازال يسمّى عن تزوير ، كالعادة ، للحقائق التأريخية التي رافقته ، وقد زاملته ورافقته حصارات عربية ، وثقها تأريخ ( عدنان ) و ( قحطان ) الى ( يعرب ) لأول مرة في تأريخنا العربي المعاصر ، الذي شهد مقتل ملايين من عرب العراق ، بين حرب وحرب على حرب ،، فقد وثقت الدوائر الأميركية المحايدة نفسها ، كشاهد من أهلها على أهلها ، ما يقارب الألف كذبة وحالة تزوير للحقائق إرتكبتها إدارة ( بوش الإبن ) ، بالتعاون مع بعض ( عربنا ) ، لإحتلال العراق لغرض تقسيمه وفقا لأجندة ( بوش الأب ) الى دويلات تقع جغرافيتها على تلك الخطوط العنصرية التي قصدتها نظرية ( الفوضى الخلاقة ) وعناها شعار ( الشرق الأوسخ الجديد ) .
وبعيدا عن :
إجترار ، قد يطول شرحه والتذكير به ، للأجندات السياسية وحتى الحربية لمافيا النفط الأميركية البريطانية الخاصة بالشرق النفطي الأوسط ،، لأننا نرى ونسمع ونعاني من نتائجها السرطانية اليوم ، وبالألوان ( الديجتال ) ، في العراق بشكل خاص ، وحتى لدى بعض الطوائف في دول الخليج العربي النفطية التي كانت مرشحة لجغرافيا ( الشرق الأوسخ الجديد ) ، لولا رحمة الله بظهور مقاومة وطنية عراقية قضت على هذه الفتنة في اوكارها وخلال اقل من ست سنوات من القتال غير المتكافئ بالقوة والسلاح ، اثبت فيها عرب عراقيون ، اشباه حفاة عراة الآ ّ من غيرتهم على قدر الله ، أنهم أقوى واعظم من الدولتين الأعظم إستهتارا بالقيم ،،
قريبا من :
واقع خطوط الطول وخطوط العرض العنصرية ، التي رسمتها مافيا النفط الأميركية البريطانية ،، نجد انها إعتمدت بشكل كبير على التفرقة العنصرية ، سواء أكانت مذهبية اسلامية أم قومية ، ميراثا بريطانيا وتقليدا اميركا لنظرية : ( فرق تسد ) . فسمعنا علنا ، ولأول مرة في تأريخنا ، الإسلامي والعربي المعاصر من رجال مازالوا يوصفون في نفاق وسائل الإعلام بأنهم رجال ( دين !! ) عن مصطلحي : ( الروافض ) و ( النواصب ) ، لتبرير جرائم الحرب في العراق وجرائم اخرى في عموم الدول الاسلامية ، ومنها العربية النفطية بشكل خاص ،،
وقد تبدو العلاقة بين النفط والمذاهب الاسلامية ( مضحكة ) لأول وهلة ، ولكنها باتت من اكثر حقائق اليوم في طموحات الطوائف السياسية المرتبطة بمافيا النفط الأمريكية البريطانية ، وبعضها يبرر ظهوره بعدم العدالة في تقسيم عائدات الثروة النفطية ، فيما يبرر بعضها الآخر ( بمظلوميات ) نيل كراسي الحكم والسطوة على .. النفط !! الذي صار سلاحا بحدّين ، قد يقتل من إمتلكه وإستأثر به ، وقد يقتل من طمع في نيله بحق او دون حق سيان ، في هذا العصر الملعون بالنفط الذي صارت أكاذيبه حقائق وحقائقه أكاذيب حسب القوة والإقتدار على التزوير ،،
كما سمعنا ولأول مرة من ( سياسيين ) يسمّون العرب جميعا ، واولهم عرب العراق ، ( شوفينيين ) و( قومجيين ) ، بل يبدو بعضهم مستاء حتى من إسمه ذي الدلالة الإسلامية ، لأن القرآن جاء عربيا ، فغيروا اسماء حتى الجوامع الت استولوا عليها لأنها ذات دلالة عربية ، وكأن هؤلاء يتمنون لو نزل القرآن بلغة أخرى ، او حتى لم ينزل ، لتمر أكاذيبهم في تجارة الحروب على قياسات وموازين حسب أهواؤهم ، مع انهم عاشوا بين العرب أخوة منذ مئات ، إن لم نقل آلاف ، السنين !! وكأن هؤلاء يريدون القول ان كل من رزقه الله بنفط في ارضه لابد ان يقتل بتهمة ( الشوفينية ) و( القومجية ) ، كما يحصل الآن في معظم شمال العراق، ليس ضد العرب حسب بل وضد من شاء لهم الله ان يولدوا من القومية التركمانية او اليزيدية في ( كركوك ) بشكل خاص وفي الموصل وديالى .
اذن !! .
فإحتلال العراق كانت غايته خلق حروب عنصرية لإستيلاد ( الشرق الأوسخ الجديد ) ، وهذا ما ساهم به عرب ، إمّا عن ( مصيبة ) جهل أكيد بما خطط لمصيرهم لاحقا ، او عن تجاهل ، والمصيبة هنا أعظم ، من حيث ان أحطّ انواع الحروب في تأريخ البشرية هي الحروب التي تتخذ طابعا عنصريا خلافا لإرادة الله سبحانه تعالى في خلقنا من اقوام شتى تتآخى في إنسانيتها على قدر شاءه الخالق وحده ، وأبرز الأدلة على هذا ماسمّي : ( بالحرب الأهلية ) ، او حروب ( فرق الموت ) ، في العراق التي إقتبعت زورا شعارات سنة وشيعة ، وحروب ميليشيات ( الكوند ) ضد عرب وتركمان ويزيدية العراق القريبين من حاضنتهم في خط عرض ( 36 ) الذي فرضته الدولتان الأعظم في إجراميتهما ضد البشرية .
القسم الثاني
من الواضح ، وبمعزل عن المظاهر المزورة الخدّاعة التي تصنعها وسائل إعلام الإحتلالين والثلاث ورقات كوندية ، وتساهم فيها وسائل إعلام عربية ، بلا أسف منا ولا إنسانية منها ، لأنها توثق وتكشف في آن أجندات من يمولها ويديرها في المنطقة ،، أن أميركا وبريطانيا خسرتا الحرب بصيغتها العسكرية ، وانهما ماعادتا قادرتين على تحمل ( حرب الإستنزاف ) التي شنتها المقاومة الوطنية العراقية ، فلجأتا الى إعتماد الحرب النفسية الإعلامية بصورة مكثفة جدا في الأشهر الأخيرة كخطّ دفاع أخير ، حتى ان بعض وسائل الإعلام العربية تكاد تقول ان العراق صار : ( جنة ) تتوافد جموع الدبلوماسيين العرب اليها .
وقد يلمس بعض المتابعين ( نجاحا ) لحروب الإحتلال النفسية والإعلامية صاغته في الأصل فخاخ حروب محلية تجيدها الدولتان ( الأعظم في حقدهما على المسلمين والعرب ) من خلال :
اولا : تفجير مرقد سامراء ، عندما نالت المقاومة الوطنية درجة الذروة في عملياتها ، واتهام العرب السنة بذلك ، مع ان المرقد عاش بحمايتهم مئات السنين ، وصلوا به مئات السنين ، ولم يفكر احد بمسّه بأي سوء طائفي ، وحتى سياسي مجرد ، وفي كل العهود ومنها عهد الزرقاوي الذي سيطر على سامراء عدة مرات وتحت انف الإحتلال .
وكان اوّل ردّ فعل على التفجير ، موثق ، مدبر مرسوم ، من مقتدى الصدر ، الذي كان في جولة عربية ، ومحطته الأخيرة لبنان ، فاذا به يتهم ( النواصب ) فور سماعه الخبر ( !! ؟ ) بشناعة هذه الجريمة ، ودلالة مفردة ( النواصب ) في ثقافة مقتدى واتباعه تعني : العرب السنة ، ثم تلت ذلك فتاوى من حازم الأعرجي أباح بها علنا دماء العرب السنة في بغداد والعراق ، ولم يتورع عن تسمية الأحياء البغدادية ذات الأكثرية السنية التي لابد ان تذبح وتحرق ليظهر ( مهدي ) الإحتلالين الأمريكي والأيراني .
ثانيا : صمّم بعد ذلك ظهور قوات ( الصحوات ) السنية لتظهر ( كضد نوعي ) تحت السيطرة الامريكية ، يدافع عن الأحياء السنية ضد إجرامية فرق الموت التي ولدتها عباءة مقتدى الصدر ، فإرتكبت ( الصحوات ) جرائم فاقت جرائم فرق مقتدى الطائفية العنصرية ، اذ تعدتها الى محاربة قوى المقاومة الوطنية السنية بكل اشكالها ، علنا ودون لف ولا دوران ،،
من خلال التجسس لصالح قوات الإحتلال ، ومن خلال حمل السلاح ضد المقاومين الوطنيين مقابل ( 300 ) دولار شهريا لكل فرد ،، ثم ضخ فيها الإحتلال نزعة التسلط الوظيفي المرضي ، كما ضخ هذا المرض في ميليشيات مقتدى من قبل ، فصارت ( الصحوات ) السنية مثل ( الغفوات ) الشيعية تسعى لتاسيس احزاب سياسية تؤازر الإحتلال في حكومة المضبعة الخضراء ، وعلى دلالات آخرها صفقات التطبيع في ما اعلنته قوات الإحتلال بأنها ستسلم قيادة ميليشيات الصحوة لحكومة بغداد في الأيام القادمة .
ثالثا : كل ماتقدم ، في حرب مفتعلة مخطط لها بين عرب شيعة وعرب سنة ، أختتم ( بمعجزة ) زج ّ قوات إضافية امريكية الى العراق حصدت ( مجد ) تحسن الأمن في العراق ، تمهيدا لظهور رئيس جمهوري جديد في اميركا يواصل مابدأه بوش الأب في ( 1991 ) ثم بوش الإبن في ( 2003 ) ، ولكن على حساب استشهاد مئات الألوف من ( الجثث مجهولة الهوية ) من عرب العراق ، شيعة وسنة ، وبأياد ( عراقية ) وظفت كفرق موت أجيرة لهذا الغرض من قبل اميركا وبريطانيا وايران واسرائيل واكراد كوندي ،،
ولكن ، هل هذا يعني أن الإحتلالات المركبة في العراق قد ( نجحت !! ) ، كما تدّعي ، في فرض الأمن الذي تريده لنفسها ولحكومة المضبعة الخضراء وحواضن تجار الحروب المحليين ، وفي تمرير خطوط حرب عنصرية تمهيدا لتقسيم العراق ، ثم تقسيم دول الشرق الأوسط بعده ؟! .
لاتصعب الإجابة بكلمة ( لا !! ) عن هذا السؤال الذي يفرض نفسه اليوم وعلى جملة من الدلالات :
اولا : مازالت المقاومة الوطنية ، السنية بشكل خاص ، تتقاذف قوات المضبعة الخضراء من محافظة الى اخرى ، مع ان ظروف عملها صارت اكثر صعوبة بوجود مرتزقة ( صحوات ) سنية و( غفوات ) شيعية تفضل عطايا الإحتلال السخية على تحرير العراق ،، ولا احد قطعا من قوات الإحتلالات المركبة جميعا يستطيع القول :
ان المقاومة العراقية قد ( إنتهت ) .
ثانيا : تحييد ، وحتى تطويق ، نشاط المقاومة الوطنية العراقية لفترة ما ، لايعني بالمطلق انه سيستمر ،، وعلى دلالات تأريخية تفيد ان معظم حركات المقاومة الوطنية في العالم مرت بفترات تخفيف نشاط ، إما للظهور بمظهر أكثر فاعلية بعد إعادة تنظيم ، او لظروف عمل غير ملائمة حرصا على الشعب وافراد المقاومة في آن ، ولنا في المقاومة العربية الفلسطينية والجزائرية اكثر من عبرة .
ثالثا : ثمة حقيقة صارت من ثوابت العيش في العراق ، ولها أعمق الدلالات واكثرها وضوحا في ان المقاومة الوطنية العراقية حاضرة في كل مكان ، وكل زمان عراقي ، وهي : ان مامن مسؤول اميركي او بريطاني او مرتزق عراقي يستطيع التجوال في مدن وقرى العراق دون حماية مباشرة من الجيش الأمريكي او غير مباشرة من قبل قوات المرتزقة في شركات الأمن الأجنبية .
رابعا : كل المؤشرات تفيد ان المقاومة الوطنية تعمل على ( تنظيف بيتها ) من المحسوبين على ( بيتها ) من قوات الصحوة والغفوة ، سنية وشيعية ، دون ان تغفل عن الفرص الآمنة السانحة لها للتعامل المباشر مع قوات الإحتلال بكل صورها : اميركية وبريطانية وايرانية واسرائيلية وكوندية ، وهذا ما تضطر وسائل الإعلام لإعلانه مرغمة على شكل خسائر ( حرب إستنزاف ) في اخبارها يوميا .
وفي العودة الى مابدأناه عن خطوط الحروب العنصرية التي خططت لها مافيات النفط الأمريكية البريطانية منذ عام ( 1991 ) ، وربما قبل ذلك حتى ، نجد ان القوى الوطنية العراقية ، من عرب العراق ، شيعة وسنة ، واطراف وطنية تركمانية وكردية ويزيدية ، قد اجمعت على رفض اي حرب عنصرية في العراق تمهّد لتمزيقه ، ومن ثم فإن هذه القوى حمت ، دون شكر ولا منّة ، دول الجوار العربي بشكل خاص من سرطان فرق الموت العنصرية لأنها نجحت ، وخلافا لما تدعيه قوات الإحتلال ، في إسقاط كل الخطوط جحيما على رؤوس من رسموها.