في استهداف السفارة الأمريكية بصنعاء
د. ياسر سعد
[email protected]
الهجوم الذي أستهدف مقر السفارة الأمريكية في صنعاء والذي أعلنت منظمة "الجهاد
الإسلامي في اليمن" مسؤوليتها عنه, يحمل عددا من الدلالات. فاستهداف السفارة
الأمريكية يأتي وجورج بوش يهم بمغادرة البيت الأبيض بسجل مليء بالنكسات والإخفاقات
والتي تراوحت بين اقتصاد داخلي مترنح إلى سياسة خارجية فاشلة من كابول وحتى مقديشو
وما بينهما. وإذا كان مكافحة "الإرهاب" من أهم أولويات بوش المعلنة وعلى صدارة
أجندته في ولايتيه, فإن ما حدث في صنعاء يشير إلى أن إدارة بوش تخسر حتى معركتها مع
"الإرهاب".
غير أن للخسارة الأمريكية هنا وجه أخر, فالإدارة الأمريكية تحاول دائما الاستفادة
من مثل هذا الأحداث لتمرر أجندة غير معلنة. فمثل هذه الحوادث يتم استغلالها للتدخل
أكثر في سيادة الدول وللضغط عليها لنشر خبراء أمنيين أمريكيين في مرافقها الحساسة
بحجة فشل أجهزتها الأمنية في أداء دورها في تعقب "الإرهابيين". كما تستثمر مثل هذه
العمليات أيضا في الحملات الإعلامية والتي تخلط الإسلام بالإرهاب والعنف الأعمى
بنشاطات المقاومة المشروعة والتي تقاوم احتلال غاشم لبلادها.
عملية صنعاء سقط فيها جنود يمنيون ومدنيون قد يكون منهم مراجعون أبرياء, ولست أدري
كيف يستبيح المنفذون والمخططون لمثل هذه العمليات دماء الأبرياء خصوصا في شهر
رمضان. لا أتوقع أن المنفذين يمتلكون رؤية بعيدة أو أهدافا إستراتيجية تحكم
تصرفاتهم. نعم من الممكن للمتابع أن يتفهم أن دوافع الفاعلين هو السخط على السياسة
الأمريكية وتجاوزاتها والتي ألحقت بكثير من العرب والمسلمين الظلم والدمار وسببت
لهم معاناة قاسية, غير أن نتائج مثل هذه العمليات تصب في المدى البعيد في أهداف
المحافظين الجدد في نشر "الفوضى الخلاقة" في المنطقة وإعادة رسم خريطتها.
ما حدث في اليمن والذي يعاني من تمرد مدفوع بأجندة خارجية يستنزف قدراته المادية
والبشرية, قد يدفع -بالإضافة لعوامل أخرى منها الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة
التذمر في جنوب البلاد من إهمال الحكومة لبرامج التنمية والتطوير هناك- إلى تغييب
دور الدولة وفتح المجال واسعا للفوضى وانعدام الاستقرار. وإذا كان التداول السلمي
على السلطة من ضرورات التجديد والتطور الفعلي والذي يشتكي العالم العربي من غيابه,
فإن اللجوء للعنف المسلح في مواجهة الدولة أدى في أكثر من دول عربية إما للفوضى أو
لتغوّل السلطة أمنيا وسياسيا.
بعد سبع سنين من أحداث سبتمبر والتي تبنتها القاعدة ومن ثم تفرع الكثير من
التنظيمات عنها والتي تبنت نهجها في التدمير والتغيير, نجد أن أكثر التفجيرات
والعمليات العنفية تحدث في بلاد المسلمين وأن أغلب ضحاياها منهم ومن المدنيين
الأبرياء. العنف الأعمى في العراق والذي ضرب من غير تخطيط ولا ضوابط كان من أكبر
العوامل والتي ساهمت في ما يسمى بالتقدم الأمني والذي تحتفي فيه قوات الاحتلال
هناك.
إن مكافحة الظلم ومواجهته يجب أن لا تكون ذريعة لإيقاع مظالم ولو كانت عابرة أو غير
مقصودة, وإن قوة مقاومة الطغيان تكون ابتداء في الابتعاد عن أساليبه مهما كانت
الضغوطات والاستفزازات.