سماسرة الموت والضحايا من أبناء أرض الكنانة

منير مزيد

[email protected]

عادة وفي شهر رمضان المبارك ، أحاول قدر المستطاع أن أتجنب الإستماع للأغاني أو حتى كتابة الشعر ، والتفرغ للعبادات إلا أن هذا الشهر من هذا العام بدأ مغايراً للغاية عن ما سبق .

في صباح اليوم الأول من هذا الشهر الفضيل ، جلست أمام جهازي الكومبيتر للقيام بالترجمة ، وسرعان ما وقعت عيناي على ملف أغاني العندليب " عبد الحليم حافظ " ، حاولت مقاومة إغراء فتح الملف إلا أنني وجدت نفسي مستسلما لهذا السحر .. فتحت الملف وبدون وعي بدأ صوت العندليب يصدح بأغنية " ذكريات " و قد استوقفني مقطع :

صحيت على ثورة بترج الدنيا

ولقيت أوطاني حكمها بأيديا

وجمال قدامي بينادي علي

قوم ، قوم

قوم أرفع راسك

قوم ، قوم واشبع حرية

وانت في صمتك مرغم

وانت في حبك مكره

والله زمان يا سلاحي

وجدت نفسي ، في كل مرة تنتهي الأغنية ، أراني اعيدها من البدء من جديد ، فلا أذكر كم مرة استمعت لها ، لغاية ما رن جرس هاتفي الخلوي ، وكان على الهاتف زميل صحفي يخبرني بأن ملف سرقة مقالات لكتاب ومترجمين رومان من قبل صبيان عرب الذين قاموا بنشرها في مجلات عربية وبكل وقاحة  تحت أسمائهم ، وفعلا اتفقنا على اللقاء الساعة السادسة في حديقة ايفرست في يباتسا رومانا وسط العاصمة الرومانية بوخارست ونذهب سويا إلى صلاة المغرب والافطار في جامع كرينكاش مع أني عادة أصلي في جامع كولنتينا..

في الساعة السادسة تماما حضرت إلى ايفرست، ولم أجد زميلي وجلسـت أنتظره ولكـن دون فـائدة، حاولت الاتصال على هاتفه الخلوي، ولكن دون فـائدة أيضا، عندها ذهبت إلى مكتبة قريبة حيث اشتريت ورقا وقلما وبدأت أكتب قصيدة، ونسيت صديقي مع أني في مثل هذه الأحوال أشعر بقلق وتوتر، فأنا أكره الإنتظار، وأبدأ التدخين بشراهة إلا أنني كنت في حالة هيمان وسرحان بالقصيدة، أيقظتني رنين هاتفي الخلوي، وإذا بصديقي يعتذر عن التأخير، وأنه في الطريق، عندها قلت له: ما في داعي لحضورك إلى هنا وأقترح أن نلتقي في الجامع.لم أكن أدرك أن هذه التغيرات، سماع أغنية عبدالحليم "ذكريات" طوال اليوم، وكتابة قصيدة، وعدم الشعور بالتوتر أو القلق نتيجة الإنتظار في اليوم الأول من شهر رمضان، إنما هي مؤشرات وظواهر لحدوث شيء جلل.بعد الصلاة وبعد انتهاء وجبة الإفطار خرجت لكي أدخن سيجارة، وإذا بشخص يتبعني وينادي بأسمي، توقفت، وجاء ليقول لي: أستاذ منير .. في عندي قضية تهمك ولا أحد يمكن أن يساعد فيها غيرك لأناس لم يبق لهم غير رحمة الله والأمل فيك في مساعدتهم. قلت، أنا لست محاميا وإذا أردت أعطيك اسم محامي روماني ويمكنك أن تخبره بأنك من طرفي، وأنا متأكد سيتولى القضية وإذا آمن بها سيتكلف بها لوعلى حسابه وخاصة إذا كانوا هؤلاء أبرياء وفقراء كونه شاعر وزميل.فرد قائلا: القضية الآن لا تحتاج إلى محامٍ بقدر ما تحتاح إلى صاحب قلم لا يساوم في حقوق الآخريين ولا ترهبه جبروت الظالم وقوته، والأهم من ذلك يستطيع توصيل قضيتهم للإعلام العربي والروماني، وأضاف قائلا أريدك أن تقسم لي بدموع أمك بأنك لن تتخلى عنهم مهما كانت النتائج رددت سريعا

يا أخي سأقسم لك في هذا الشهر الفضيل بما هو أغلى وأعظم من أمي ومن كل الأنس والجن، الله، وأكملت قائلا، المهم قل لي ما هي القضية وإن شاء الله سأقوم بمساعدتهم قدر ما أستطيع فأنا ذقت طعم الظلم وكنت محتاجا لأنسان للوقوف إلى جانبي. عندها نادى على 5 أشخاص من أخوننا المصريين وبدأوا برواية ما حدث معهم وإليكم القصة كما رواها الأخوة من مصر المحروسة: هناك شركتان يملكهما السيد أحمد الذكراوي، شركة في القاهرة في القصر العيني في شارع إسماعيل باشا سري، والاسم التجاري "شركة أطلس" لإلحاق العمالة المصرية بالخارج وتحمل ترخيص 408 شركات، وشركة في المنصورة واسمها التجاري "شركة الذكراوي" في منية النصر. وقد اوفدت مجموعة من العمال المصريين وهذه المجموعة مكونة من 39 عاملا، وكلهم من أبو حماد الشرقية وكل عامل دفع 30 ألف جينه مصري، ووصل أمانة بـ 5 آلاف جينه تدفع بعد شهر من السفر إلى بوخارست مقابل الحصول على عقد عمل والإقامة وعقد العمل يتضمن دفع راتب شهري يتراوح من 500 إلى 800 يورو تبعا للوظيفة بالإضافة إلى السكن والطعام

وهناك شركة أخرى تحمل اسم "جوهرة المدينة" ومقرها في مساكن شيرتون المطار، مصر الجديدة، القاهرة وفرع في أبو حماد الشرقية، أمام المحكمة ويملكها ثلاثة أشخاص وهم: السيد محمود كشري، مجدي أبو الليل، ومحمود خورشيد، وقد أوفدوا عدة مجموعات من مدن وقرى مختلفة في مصر إلى رومانيا وعددهم 116 عاملا، والغريب في الأمر أن جميع العمال البالغ عددهم 154 عاملا، تم إرسالهم لحساب تاجر مصري في رومانيا يدعى أحمد محمد نجم، ولم يتسن لي لقاءه وسأحاول إجراء حوار معه حول هذه القضية. والشيء الغريب الآخر مدير العمالة هنا في رومانيا يدعى السيد محمد خورشيد وهو شقيق محمود خورشيد وهو واحد من أصحاب شركة جوهرة المدينة.لقد قمت بزيارة سكن العمال وهو أشبه بعنابر ومهاجع السجون إلا ان السجون بمقارنة مع مساكن العمال تعتبر 70 نجمة، وحال هؤلاء العمال مزرٍ للغاية ولا يتناسب مع أبسط حقوق الإنسان، لا مال ولا طعام، أسوء من العبودية وحسب اعتقادي نحن في دولة أوروبية تحترم حقوق الإنسان والرق جريمة يعاقب عليها القانون ولو عرف الإعلام الروماني بهذا الوضع ستكون جريمة مخزية في حقنا كعرب ومسلمين

وما حصل مع هؤلاء العمال أشبه بعملية نصب واحتيال منظم من قبل عصابات منظمة، وأنا بدوري ككاتب أقول ما شهدت بعيني ولست قاضيا، وإنما ناقل رسالة هؤلاء. البعض منهم باع بيته والبعض أرضه والبعض ميراث أهله والبعض ذهب العائلة والبعض تحويشة العمر كله وهؤلاء مهددون بالترحيل

وأنا بدوري أطالب السيد أحمد محمد نجم بالإسراع في تسوية وحل مشكلة هؤلاء العمال خلال 10 أيام من هذا اليوم، وإلا سأقوم بالإرسال لكل وسائل الإعلام الرومانية المقرؤه والسمعية والمرئية، وعلاوة على ذلك إعلام كافة المؤسسات الحقوقية في رومانيا

وكلمة اخيرة أقولها: نحن لسنا في غابة، بل في رومانيا، وأية قضية مثل هذه ستفتح شهية كل تلك المؤسسات والخاسر الأكبر نحن العرب، فصورتنا إما نصابون أو إرهابيون.

لهذا سأنتظر 10 أيام وبعدها فلتذهب صورتنا إلى الجحيم لأنني لن أساند نصابين أو أسكت على أفعالهم وحياة 154 عاملا مهددة بالضياع لأجل أناس فقدوا إنسانيتهم، واعتقدوا واهمين أن زمن الرق والعبودية يمكن استرجاعه.