المسلمون مؤتمنون على دعوة محمد

ماجد زاهد الشيباني

لا على دولته .. فلكل جيل دولته !

ماجد زاهد الشيباني

·   دولة محمّد النبيّ (ص) تمّ إعدادها بتوجيه ربّاني ، بوحي ربّاني .. ابتداء من ترتيب أمر الهجرة إلى المدينة المنورة ، ومروراً بالناقة التي بركت في مكان محدّد ، لبناء المسجد ، لأنها مأمورة بالبروك فيه .. إلى سائر التوجيهات الربّانية المتوالية ، حول مختلف الأمور، في الحرب والسلم ، والسياسة والتربية ، والعلاقات مع الصفّ الإسلامي في المدينة ، وغير الإسلامي ، من يهود ومنافقين .. والتصدّي للمشركين ، في شتّى ساحات الصراع ، العسكري والاقتصادي والإعلامي ..! لقد كانت دولة يقودها نبيّ ، بوحي السماء ، وباجتهاده المسدّد بوحي السماء ! فهي دولة خاصّة ، مميّزة.. لم تكن مثلها ، قبلها ولا بعدها ، دولة في التاريخ الإنساني كله ، ولن تكون ، إلى قيام الساعة !

·   دولة الخلفاء الراشدين الأربعة ، كانت تستند إلى النصّ المقدّس، المكتوب والمحفوظ ، من قرآن وسنّة . وكان الاجتهاد البشري المستند إلى مرجعية النصّ المقدس ، هو الأساس فيها ، ولم يكن مسدّداً بوحي ربّاني مباشر من السماء ! فكانت الاجتهادات فيها تحتمل الخطأ والصواب ، وتسدّد عبر الشورى ، التي هي نتاج عقول بشرية ، معرّضة للخطأ والصواب ! فهي دولة بشرية ، اجتهادية شورية ، مرجعها النصّ المقدّس ، بما لدى قادتها ، من قدرة على فهم هذا النصّ ، وتفسيره ، وتطبيقه بصورة  هي الأقرب إلى الصواب ، شرعاً وعقلاً ، دون عصمة من الخطأ في الاجتهاد ..!    وتلحق بدولة الخلفاء الراشدين ، دولة عمر بن عبد العزيز ! وبعض الباحثين ، يلحق بها دولة عبدالله بن الزبير ! ويلاحَظ أن أهمّ عنصر في دولة الراشدين ، هو عنصر الشورى في اختيار الحاكم ؛ أيْ : انتخابه ، عبر بيعة من المسلمين ، بأشكال البيعة التي كانت ممكنة في ذلك الوقت ! ثم الشورى في تسيير أمور الدولة . إضافة إلى عنصر العدل ، الذي كان الصفة الأولى ، المطلوبة من الحاكم ! فقوام دولة الراشدين ركنان ، هما : الشورى والعدل ! وهما ركنا أيّة دولة تستند إلى تعاليم الإسلام ، على مرّ العصور!

·   دول الحكام غير المنتخَبين ، من عهد التابعين إلى يوم الناس هذا .. تتفاوت فيها نِسب الصلاح والفساد ، والخير والشرّ، والعدل والظلم .. من حاكم إلى آخر، ومن عهد إلى آخر!

·   إصرار المسلمين على تمثّل أيّ عهد ، من العهود الراشدة الماضية ، وعلى تقليده بشكل حرفي تامّ ، هو ضرب من العبث ! لأن الشخص الواحد ، يصعب عليه أن يقلّد شخصاً آخر ، إلى درجة أن يكون نسخة منه ، طبق الأصل ! فكيف بجيل كامل ، في ظرف ما ، يقلّد جيلاً كاملاً ، في ظرف آخر، مختلف عنه تماماً ، في أكثر شؤون الحياة ، ومتطلّبات العصر ومقتضياته !؟ إن علي بن أبي طالب ، وهو من أقرب الناس إلى أبي بكر وعمر.. حين طلَب منه عبد الرحمن بن عوف ، البيعة على كتاب الله وسنّة رسوله ، وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، قبله .. قال : أبايع على كتاب الله وسنّة رسوله ، أمّا الشيخان ، فإني أجتهد كما اجتهدا ! وذلك لأنه لايستطيع أن يكون نسخة عن أيّ منهما ، ولا مقتضيات حكمه كمقتضيات حكم أيّ منهما ، ولا طريقته في التفكير وصناعة القرار، كطريقة أيّ منهما ! فلكل رجل طريقته وأسلوبه ، في سياسة شعبه ، وفي إدارة شؤون دولته !

·   الدولة اليوم ، أيّة دولة في العالم .. هي بقعة في خريطة عالمية ، متحرّكة متفاعلة ، تتداخل فيها العلوم والثقافات ، وتتقاطع المصالح الداخلية والخارجية .. فهي ، أي: الدولة ، عاجزة ، بحكم الضرورة ، عن أن تكون دائرة مغلقة ، محاطة بأسوار يصعب اقتحامها !

·        لذا :

ـ الدولة الدينية ، اليوم ، مستحيلة عملياً ، لأيّ دين في العالم ! حتى دولة إسرائيل ، التي قامت ، أساساً ، على الديانة اليهودية .. عاجزة عن أن تكون دولة دينية ، بالمعنى الذي يتصوره المتشدّدون الدينيون فيها .. وحتى بالمعنى الذي يتصوّره المتديّنون العاديون من أبنائها ! فهي دولة مدنية ، تضمّ يهوداً ، متديّنين وغير متدينين .. ولديها بعض القيم الدينية ، التي تلزم بها مواطنيها ، كحرمة يوم السبت .. وغيرها ! (وواضح أن الحديث هنا ، هو، عن عالم اليوم الراهن . أمّا المستقبل ، وما فيه من تقلّبات ، ومن تغيّرات ، في أحوال الأمم والشعوب والدول والأجيال .. فلا يدخل في حديثنا ، لأنه في علم الغيب ، الذي لايحيط به ، إلاّ الله وحده !) .  

ـ الدولة التي تحرص أكثرية شعبها ، على الالتزام بتعاليم الإسلام .. أقصى ماتستطيع فعله ، هو تحقيق ركني الدولة الراشدة ، أو الرشيدة .. وهما : الشورى والعدل ، ضمن نظام عامّ ، يحفظ حياة الناس وممتلكاتهم ، ويحفظ أخلاقهم من السقوط ! مع ترك الحريّات للناس ، في الحدود التي لاتؤذي كيان الدولة والمجتمع ، أوتضر بالأفراد ، مادياً أو معنوياً ! مستلهمة ، في ذلك ، القيم الأساسية للتعامل الاجتماعي والاقتصادي ، من النصوص العامّة المقدّسة ! أيْ : أن تكون النصوص مرجعيّات أساسيّة عليا ، يتشكّل  النظام العامّ ، الذي يلتزم به الناس جميعاً .. على ضوئها ، وضوء مالا يناقضها ، من منجزات الآخرين ، وإبداعات عقولهم .. على مبدأ : الحكمة ضالّة المؤمن ، أينما وجدها فهو أحقّ الناس بها . مع احتفاظ كل فرد بعقيدته ، وكل طائفة بدينها ، وتشريعاته و تعليماته ! وذلك بصرف النظر عن اسم الدولة ؛ سواء أكان خلافة أم جمهورية .. أم غير ذلك من الأسماء المتعارف عليها بين الدول ، والتي تتحقّق فيها شرعية الاختيار الحرّ عبر الشورى .. والعدل !