إضراب جامعات الضفة وغزة... ليس سياسيا
إضراب جامعات الضفة وغزة...
ليس سياسيا !!
د. كمال أحمد غنيم
يتزامن إضراب اتحاد نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مع إضرابات اتخذت منحى سياسيا لا تدرج فيها، وموضوع إضراب الجامعات يتعلق بمطلب نقابي محض (كادر التعليم الموحد الجديد)؛ انتظر فترة طويلة من الزمن امتدت على مدار ثمانية عشر عاما تقريبا؛ وجاءت المطالبة الحثيثة به منذ ما يقارب العام، وقد تمّ إقراره كمبدأ في مجلس التعليم العالي منذ تلك الفترة، وطال زمن دراسته حتى استحق تنفيذه اليوم عن جدارة.
ومن مميزات إضراب اتحاد نقابات العاملين عن الإضرابات الأخرى أنه وحدوي؛ اتحد فيه شطرا الوطن الجريح في الأرض المحتلة عام 1967 حيث يضرب فيه العاملون في الجامعات الفلسطينية هنا وهناك، بعيدا عن السياسة والتسييس.
كما أنه يأتي بعد جلسات حوار طويلة امتدت على مدار الشهور والأسابيع الماضية بين الاتحاد ومجلس التعليم العالي، تمّ فيها تمديد استحقاقات مثل ربط الدينار على الشيكل عدة مرات انتظارا لتحقيق الكادر، وقد انتهت فترة التمديد الأخيرة (نهاية سبتمبر) دون تمديد جديد، ودون وصول إلى نتائج. بمعنى أن اتحاد النقابات وجد نفسه مضطرا لاتخاذ القرار الصعب ببدء الإجراءات النقابية المتدرجة، حيث أعلن قبل ما يزيد عن ثلاثة أسابيع عن إجرائه الأول ليتيح الفرصة للحوار من جديد دون جدوى، فهو إضراب معلن عمليا منذ ثلاثة أسابيع وملوّح به منذ شهرين ومنتظرة نتائجه منذ عام بعد فترة صبر امتدت على مدار ثمانية عشر عاما، تحركت فيها أحوال الموظفين في المؤسسات المختلفة جميعا ما عدا الجامعات!
ويتميز إضراب الجامعات بأنه مطالبة بتعديل حال طال عليه الزمن وسط القول بمميزات العمل في الجامعات حتى أصبح العمل في الجامعات دون المستوى عن حال كثير من العاملين في مؤسسات أخرى، بينما أصبحت الإضرابات الأخرى تتعلق بمعطيات سياسية بعيدة عن تحسين أحوال العاملين فيها.
وإضراب الجامعات ليس موجها لجهة سياسية معينة رئاسة أو حكومة؛ بل هو موجه للهيئة الوطنية المعنية بمتابعة شئون الجامعات منذ زمن الاحتلال (مجلس التعليم العالي)، كما أنه لا يتماهى مع مسألة الحصار، ولا يشارك في وضع لمسات عليها! بل إنه يسهم في معالجة آثاره المدمرة على كافة فئات المجتمع، وينسجم مع الروح الفلسطينية المكابرة الصامدة في وجه الحصار من خلال السعي إلى ممارسة حياة اجتماعية شبه اعتيادية على الرغم من كل معطيات الوجع.
وكان يمكن تأجيل إضراب الجامعات إلى فترة أخرى قد تكون ظروفها أفضل!! لكن الواقع الفلسطيني الشائك لا يجد متسعا لواقع أفضل! ولا يجد شخصا واحدا على وجه الأرض يعدُّ بظروف أفضل! وواقعنا الحالي وتاريخنا القريب خير شاهدين على ذلك، لهذا وجد إضراب الجامعات نفسه مضطرا للظهور على سطح حياتنا اللاهب بعد انتظار طويل وتأجيلات لم تجدِ شيئا.
ولعل من أروع مشاهد الوحدة الوطنية في اتحاد نقابات العاملين هو ذلك الاتفاق واضح المعالم على استبعاد الهمّ السياسي السلبي من اجتياح الوعي الأكاديمي النقابي، فالجميع متفقون على أن مطالب العاملين في الجامعات لا علاقة لها بالأبعاد السياسية، وأنها من ضمن القواسم الوطنية المشتركة التي تسعى لخلق حياة تعليمية أمثل في المجتمع الفلسطيني.
هم من أجل حقوقهم المنسية يُضربون، بعد أن اتبعوا كل أدوات الحوار واحتملوا كل سنوات الانهيار والتدهور، وهم من أجل ذلك أبرياء وليسوا متهمين!
رئيس نقابة العاملين
د. كمال أحمد غنيم