أمريكا والمخاض الانتخابي
د. ياسر سعد
الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي ستجري في نوفمبر القادم, انتخابات غير عادية بكل المقاييس, فمفاجأتها كثيرة والاستثناءات فيها عديدة. فللمرة الأولى يتنافس على الرئاسة رجل أسود وللمرة الثانية تدخل امرأة السباق كنائبة للمرشح الرئاسي. أهمية الانتخابات الأمريكية وارتفاع الأصوات التي تنادي فيها بالتغيير الجذري والحفاظ على الحلم الأمريكي, مرده وبشكل رئيسي السياسة الفاشلة للرئيس جورج بوش ولزمرته من المحافظين الجدد والذين تراجعوا بالولايات المتحدة وفي خلال ثمان سنوات عجاف اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا مما عجز عنه خصومها الكثر وفي عقود متعددة.
التراجع الكبير في مكانة الولايات المتحدة واهتزاز صورتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكرامته والتي أصبحت مرتبطة في الضمير العالمي بصور أبوغريب وجوتنتاموا وباغرام وغيرهم والانتكاسات الحادة للسياسة الأمريكية من كابول إلى مقديشو وما بينهما, بالإضافات إلى التخبط الكبير في المواقف والتصريحات هي التي دفعت جو بايدن المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس للقول: "الخيار في انتخابات هذا العام واضح.. هذه ليست أوقات عادية، كما أنها ليست انتخابات عادية، وقد تكون الفرصة الأخيرة لنا لاسترداد روح أمريكا", كما حذر بايدن من أن: "حلم أمريكا كان يتبدد كل يوم خلال السنوات الثماني الماضية".
من الصعب التنبؤ بنتائج انتخابات تبدو متقاربة ومتخمة بالمفاجئات ومحكومة بعوامل داخلية وخارجية تأسر اهتمام الناخب الأمريكي وتربكه. المرشح الديمقراطي باراك أوباما يبدو أكثر حيوية وذكاء من المرشح الجمهوري جون ماكين وإن كان لون بشرته وجذوره وقلة خبرته السياسية يشكلون عائقا في طريقه إلى البيت الأبيض. اختيار أوباما للسيناتور جو بايدن السياسي المخضرم كان محاولة لسد الثغرات ونقاط الضعف التي كان خصومها يسددون سهامهم إليها, على الرغم من مشروع بايدن سيء السمعة والذي أعلنه منذ عامين وسعى فيه لحل الإشكالات الأمريكية في العراق من خلال تقسيمه وهو ما يصب في سياسة بوش العراقية والتي تعتبر معارضتها من أهم ملامح برنامج أوباما الانتخابي.
جو ماكين المرشح الجمهوري العجوز أراد باختياره الشابة –نسبيا- سارة بالين حاكمة ألاسكا نائبة له تحقيق العديد من النقاط ولعل أهمها شهرتها بمحاربة الفساد في ولايتها, ذلك لأن قصص العقود الفاسدة والصفقات المشبوهة في العراق وغيره لإدارة بوش أصبحت عبئا كبيرا على الجمهوريين. كما أراد ماكين باختياره بالين –ضعيفة الخبرة- أن يعوض العامل الشبابي في حملته دون أن يطغى منصب النائب وشخصيته على الرئيس كما حصل بين تشيني وبوش الابن. محاولة ماكين جذب أصوات النساء بعد خسارة هيلاري كلينتون معركتها لصالح أوباما من العوامل التي دفعته لاختياره المفاجئ, بالإضافة إلى شريحة المحافظين ومن يسعى للحفاظ على القيم العائلية, فبالين لها خمسة أطفال رغم انخراطها في العمل العام وهي من المعارضين بشدة للإجهاض.
انتخابات أمريكية ساخنة, يرقبها العالم والأمريكيون باهتمام بالغ في عالم مضطرب يشهد تقلبات وتطورات كبيرة وعودة للحرب الباردة. فهل يكون في نتائجها تجديد للحلم الأمريكي أم تأكيد للكابوس الذي جلبته إدارة بوش على أمريكا والعالم؟