الملف الفلسطيني والتردد المصري
د. ياسر سعد
تمر الأوضاع الفلسطينية بمرحلة ضبابية وأوقات صعبة. فالسلطة الفلسطينية والتي عليها مواجهة استحقاق الانتخابي الرئاسي قريبا, تعاني من اضطرابات حادة في الرؤيا وإخفاقات كبيرة في السياسات تنعكس على تصريحات مسؤوليها المتناقضة وإن كان أغلبها يعبر عن إحباط ويأس من نتائج المفاوضات. بل إن دور السلطة الرئيسي أصبح مواجهة حماس إعلاميا وسياسيا وملاحقة عناصرها وتوقيفهم في الضفة وتحريك نشطاء فتح في القطاع للوصول بالأحوال هناك لمرحلة الفوضى والفلتان الأمني.
رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي يوفال ديسكين قال إن نهاية ولاية محمود عباس في يناير القادم قد تخلق حالة من الاضطراب السياسي والفوضى في أراضي السلطة. وقال ديكسن أن السلطة عززت من حملاتها الأمنية في الضفة الغربية واعتقلت 200 من ناشطي حماس بالضفة وأغلقت 45 مكتبا لها.
دول عربية والتي أدارت ظهرها للوضع الفلسطيني مراهنة على الوقت في تقويض سلطة حماس في غزة تحت وطأة الحصار, وجدت أن إعراضها عن الشأن الفلسطيني وبُعدها عن ساحات التأثير والتفاعل سيؤدي إلى تداعيات سلبية عليها. فتشابك المسائل المرتبطة بالقضية الفلسطينية مثل مسألة اللاجئين والتعاطف الشعبي مع معاناة الفلسطينيين بالإضافة لتغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة عبر بوابة العجز العربي, أمور لا يمكن تجاهلها.
غير أن المواقف المصرية باتجاه الأوضاع الفلسطينية شابهها الكثير من التردد والارتباك. فمصر التي نالت مؤخرا إشادات من باراك وديسكين على جهودها لوقف عمليات التهريب إلى قطاع غزة, اضطرت لفتح معبر رفح يومين للسماح لمئات المرضى والعالقين على الجانبين للمرور بعد أيام من وصول سفينتي كسر الحصار إلى شواطئ غزة. بيد إن مصر ترفض أو تعجز عن فتح المعبر بشكل دائم كما تطالب سلطات غزة, بحجة تمسكها باتفاقية تشغيل المعبر التي أبرمت في 2005 بين إسرائيل والسلطة برعاية أميركية والتي تنص على سيطرة الحرس الرئاسي الفلسطيني على المعبر بإشراف أوروبي, بذريعة أن "الأحداث لم تتجاوز هذه الاتفاقية", بحسب وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط.
كما إن إعلان مصر أنها تدرس فكرة إرسال قوات عربية إلى غزة لمنع الاقتتال الفلسطيني وحماية الفلسطينيين من هجمات إسرائيلية, يظهر حيرة وعجزا مصريا في التعامل مع الأحداث. فقد رفضت حماس الفكرة بوضوح وعارضها الأردن بصورة غير مباشرة لتجنب إحراج مصر. وكانت تقارير إسرائيلية قالت إن وزير الدفاع الإسرائيلي باراك بحث في زيارته الأخيرة مع مبارك فكرة إرسال قوات مصرية إلى غزة، وأردنية إلى الضفة. إرسال قوات عربية بموافقة إسرائيلية فيه تشريع للاحتلال وتحمل للأعباء عنه.
مصر ترعي حوار فلسطينيا تبدو احتمالات نجاحه ضئيلة, فحماس تضطر لمجاملة مصر لظروف التاريخ والجغرافيا, وهي غير مرتاحة لمواقفها, فيما تبدو الفصائل الفلسطينية مدركة أن مصر لا تستطيع تجاوز الفيتو الأمريكي على المصالحة الفلسطينية. إن تلكؤ مصر عن العودة لمكانتها ودورها في قيادة العمل العربي المشترك واتخاذ خطوات جريئة باتجاه الوضع الفلسطيني الصعب لن تكون انعكاساته السلبية عربيا فحسب, بل وستمتد تداعياته للساحة المصرية.