حكّام سورية
خصوم سياسيون، لشعبهم، أم أعداء ألدّاء!؟
عبد الله القحطاني
· الخصومة معروفة ، بين الناس ، في سائر الأنشطة الإنسانية : من رياضية ، وسياسية ، وفكرية ، واقتصادية ، ونحو ذلك ! وقد تكون الخصومة بين أعداء ، كما قد تكون بين أصدقاء ! وقد تكون ، كذلك ، بين أناس لا يعرف بعضهم بعضاً ، في الرياضة ، والاقتصاد ، والفكر ، ونحو ذلك !
· الخصومة السياسية ، داخل الوطن الواحد ، بين أبنائه ، أفراداً ، وأحزاباً ، وكتلاً.. هي الأصل ، في العمل السياسي ! وإلاّ ؛ لكان الناس ، كلهم ، من مشرب سياسي واحد ، أو من حزب واحد ، أو أتباعاً لزعيم واحد !
· حزب البعث ، في سورية ، كان ، قبل استيلائه على السلطة ، خصماً ، لعدد من الأحزاب السورية ، العاملة في الساحة السياسة ! يتحالف مرّة مع هذا الحزب ، في مرحلة معيّنة ، لتحقيق هدف معيّن ؛ كالفوز في معركة انتخابية ، أو تمرير قرار معيّن ، في مؤسسات الدولة ، أو معارضة قرار معيّن ! و يختلف معه ، حول أمور أخرى ، في الوقت ذاته ، أو في أوقات لاحقة ! وهذا ديدن الأحزاب كلها ، في الإطار الديموقراطي !
· حزب البعث تحوّل ، بعد استيلائه على السلطة ، بانقلاب الثامن من آذار، عام /1963/ ، تحوّل إلى عدوّ حقيقي لدود ، لكل قوّة سياسية موجودة في سورية ! وبات همّه تدميرَ مواطنيه ، المعارضين له ، بما ملكه من قوّة الدولة ومؤسّساتها ! بل ، ظلّ يدمّر نفسه ، بين فينة وأخرى ، داخل السلطة : كل مجموعة فيه ، تتآمر على الأخرى ، وتتحيّن الفرص ، لسحقها ! حتى وصل الأمر، بالحزب ، إلى أن صار مجموعة واحدة ، تسبّح بحمد رجل واحد ! وفقد كونه حزباً سياسياً ، بالمعنى المعروف ، ولم يعد له من الحزب ، إلاّ اسمه ، وإلاّ وظيفته ، في تغطية حقيقة الرجل الوحيد ، الذي يحكم سورية ، والذي حرص على إبقاء هذا الحزب ، لتأدية هذا الدور، ولتسخير الرفاق ، خدماً له ، وأبواقاً تسبّح بحمده ، وتتآمر ضدّ شعبها ، لتعزيز سلطته ، والمحافظة على كرسي حكمه ، الذي ورّثه لابنه ، فيما بعد ، فسار على طريق أبيه ، وطريقته ، في التعامل مع الحزب وكوادره !
· حزب البعث ، الذي صار عدواً ، لمواطنيه ، المعارضين له ، في فترة ما ، من حكمه .. تحوّل ، مع الزمن ، إلى أداة رخيصة ، للحاكم الأوحد ، الذي صار، وحده ، يرى شعب سورية ، كله ، عدواً له ، ولأسرته ، ولزمرته ، التي رهنت مصيرها بمصيره ! ففقد حزب البعث ، حتى قيمتَه في أن يكون عدواً ، بعد أن فقد قيمته ، في أن يكون خصماً شريفاً ، لمواطنيه ، المعارضين لحكمه ! وصار الرفيق البعثي ، لاهمّ له ، إلاّ التسبيح بحمد سيده الأعلى ، وكتابة التقارير التجسّسية ، بأبناء بلده ، من أهل وعشيرة ، وأصدقاء وزملاء ! بل صار الرفيق البعثي العادي ، يشعر أنه مسحوق ، أكثر من سائر المواطنين ؛ لأنه فقد قيمته الحزبية السياسية ، وفقد كرامته الشخصية ، وفقد احترامه لنفسه ! وهو مكره ، على أداء دور الجاسوس الرخييص ، دون أن يقبض ، حتى أجرَ تجسّسه! لأن تجسّسه واجب عليه ؛ بحكم كونه رفيقاً ! لذا، لايحقّ له المطالبة ، بأيّ أجر، أو امتياز ! ولو حدّثته نفسه ، بالانسحاب من الحزب ، فسيحسب ألف حساب ، لما يمكن أن يقع على رأسه من مصائب ، على أيدي رجال المخابرات ، الذين يوظّفونه جاسوساً ، ضدّ أهله ومواطنيه !
· حزب البعث محسوب ، اليوم ، عدواً لشعبه ، في نظر هذا الشعب .. وهو أهون من ذلك بكثير! فالعدوّ الوحيد ، للشعب السوري ، اليوم ، الذي جعل من نفسه عدواً ، لهذا الشعب ، هو نظام آل أسد ، ومحوره : أسرة أسد ، ومعهم أعوانهم ، من أعمام ، وأخوال ، وأصهار! لذا ؛ يسعى هؤلاء المتحكّمون بقرار الوطن والشعب ، إلى سحق كل مايستطيعون سحقه من أبناء الوطن ، وتدمير مايستطيعون تدميره ، من ركائز الوطن الأساسية ، ونهب كل مايستطيعون نهبه ، من خيرات الوطن وثرواته !
· لقد أعدم آل أسد ، السياسةَ في سورية .. بما فيها من خصومات ومنافسات ! ولم يتركوا إلاّ العداوة ، بينهم وبين الشعب السوري ، والخوفَ المتبادل بينهم وبينه ! فهم يخافونه أكثر ممّا يخافهم ! لأن خوفه منهم ، هو خوف أفراد ، لايملك أحدهم إلاّ حياته ، وشيئاً من المال والمتاع ! أمّا خوفهم منه ، فهو ـ إضافة إلى خوف كل منهم على حياته ـ خوف على مزرعة رائعة ، خصبة غنّاء ، اسمها : سورية .. استولوا عليها ، واستعبدوا أهلها ، وصاروا فراعين فيها ، وسلاطين ، وجبابرة !
· هل تزول حالة العداء هذه ، بين الزمرة الحاكمة وشعبها ، وتعود إلى حالة من الخصومة السياسية !؟ لا يتوقّع هذا ، ألبتّة ، عند النظر إلى طبيعة الحكم الحالي وتركيبته ! لأن حكّام سورية الحاليين ، ليسوا سياسيّين ، أصلاً ، ولاصلة لهم بالسياسة .. وإنما سيقت إليهم البلاد ، بالغدر العسكري ، الذي مارسه بعض المجرمين والمغفّلين ، من ضباط الجيش .. وصاروا ، هم ، أول الضحايا ، التي مزقتها فصيلة الذئاب ، التي سلّموها الحكم بالجهل والغفلة ، والطمع والسفاهة ، وانعدام الضمير! ولو نوى حكّام سورية الحاليون ، ممارسة سياسة حقيقية ، في سورية ، لشعروا أنهم يفقدون كل شيء ؛ إذ لايحلمون بالقدرة على ممارسة السياسة، والمنافسة فيها ، والخصومة في إطار لعبتها الديموقراطية ! فما لهم ، في نظرأنفسهم، غير العداء للشعب والوطن ، حتى يحكم الله بينهم وبين أبناء البلاد ، بالحق .. وهو خير الحاكمين !