الأزمة المالية والحرب ضد الإرهاب
محمد هيثم عياش
يعتقد خبراء السياسة الدولية في المانيا وخاصة مراقبي تطورات الاوضاع الاقتصادية والازمة المالية التي تجتاح الولايات المتحدة الامريكية ان من اسباب الحرب ضد ما يطلق عليه بمنظمات الارهاب الدولية نجمت عن الازمة المالية ، فلا تعتبر هذه الازمة وليدة الحاضر بل ابتدأت منذ عام 2001 اي مع بداية استلام جورج بوش مفاتيح البيت الابيض اذ نجم عن عمليات 11 أيلول/سبتمبر من عام 2001 انهيار أسواق الاسهم الدولية / البورصة / كما أدى التضارب على صناعة اجهزة الحاسوب الالي / الكمبيوتر / ولا سيما القطاعات الهامة التابعة له مثل شبكات المعلومات الدولية / الانترنت / لتصبح مشكلة الاسهم والكمبيوتر مشكلة عالمية تكاد تضاهي الازمة المالية ، الا أن الدعوة لمحاربة الارهاب الدولي استطاعت حجب مشاكل الأزمة المالية والمشاكل الاقتصادية الاخرى في الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من دول العالم . هذه الازمة أخذت منحى جديدا بعيد تلك الحوادث بالرغم من أنها كانت شبيهة للآزمة المالية التي اجتاحت دول جنوب آسيا وامريكا اللاتينية ودول أوروبا الشرقية التي نجمت عن إنهيار الانظمة الشيوعية وذلك أواسط التسعينات جراء قيام ارباب الصناعة والاقتصاد في الغرب بإجراء استثمارات مالية واقتصادية ضخمة في تلك الدول التي كانت تعيش تحت نظام الاقتصاد المخطط / اي الشيوعي / تلك الاستثمارات وعدم وجود نتائج ايجابية كانت وراء بدء الازمة المالية في الولايات المتحدة الامريكية ودول اوروبية أخرى . الى جانب ذلك فقد ساهم افتتاح شبكات المعلومات الدولية / الانترنت / واستخدام مجموعات الاقتصاد والصناعة الدولية وغيرها لهذه الشبكات بعد ان كان استخدامها مقتصرا على أجهزة المخابرات والجيش الامريكي أواسط الستينات وتبادل لمعلومات الاقتصادية وغيرها عبر هذه الشبكات انهيار الرقابة عليها والمضاربة على القيمة الاقتصادية أدى أيضا الى بداية الازمة المالية في العالم ولا سيما في امريكا وبعض الدول الاوروبية .
كان هذا موضوع ندوة حول الازمة المالية والحروب في العالم قام بتنظيمها معهد هاينريش بول للدراسات الدولية الذي يشرف عليه حزب الخضر بالتعاون مع الدائرة الاتحادية للتوجيه السياسي في العاصمة برلين مساء يوم الثلاثاء 5 آب/اوجسطس الحالي .
ويدعم خبير شئون السياسة الامريكية في معهد هاينريش بول للدراسات السياسية شتفيان فيشر آراء وزيرة العدل الالمانية السابقة هيلجا دويبلر جميلين التي أشارت أثناء بدء الازمة السياسية بين برلين وواشنطن بسبب الحرب ضد العراق زمن المستشار السابق جيرهارد شرودر وقبيل انتخابات المانيا النيابية في عام 2002 ان سياسة الرئيس الامريكي جورج بوش الحربية وحضه شعبه للموافقة على شن الحرب ضد نظام صدام حسين كانت من أجل صرف الشعب الامريكي عن مشاكله الداخلي الى مشاكل العالم مثل ما فعله الزعيم النازي ادولف هتلر أثناء حكمه لألمانيا وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية فألمانيا كانت تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية استطاع هتلر شحذ همم الالمان بمهاجمة بولندا واستباحة اليهود في هذا البلد .
ويرى خبير الاقتصاد الامريكي في المعهد الالماني للعلوم الاقتصادية نوربرت فون شينك انه من أسباب أزمة مجموعات العقار الامريكية وإفلاس بعضها يعود لى ان الاستثمارات الجنبية على هذه العقارات لم تصل اليها بالرغم من اعلان البيت الابيض بذل جهوده لمساعدة هذه المجموعات من تجاوز مشاكلها المالية كما ان اكثر الاموال التي تذهب الى الاستثمارات يقوم تحويلها الى الصالح الحربي لتمويل الحرب ضد الارهاب الأمر الذي كان وراء تدهور سوق الاسهم الامريكية وتراجع الدولار امام العملة الاوروبية ذلك الدولار الذي كان أوائل عام 2000 و2001 يضاهي العملة الاروبية حتى ذهب أكثر الساسة الاوربيين الى ضرورة الغاء عملتهم والعودة من جديد الى المارك الالماني والفرنك الفرنسي ، وأكد فون شينك ان من أسباب ارتفاع اسعار النفط يعود الى استغلال الولايات المتحدة الامريكية والدول المتحالف معها في الحرب ضد الارهاب واحتلال العراق الى صالح الصناعة الحربية أكثر من الاقتصاد مضيفا ان من أسباب ارتفاع أسعار النفط ايضا مراقبة الولايات المتحدة الامريكية لمنابع النفط وتصديرها الى الدول الصناعية في اوروبا واليابان وخاصة وضع جيش الاحتلال الامريكي أيديهم على مصافي النفط وآباره في العراق وانه بالرغم من مرور خمسة أعوام على احتلال العراق لم تستطع الولايات المتحدة الامريكية استتبابها للأمن في ذلك البلد كما ساهمت الحرب فيه الى وضع اكثر من 68 في المائة من الخزنية المالية الامريكية لصالح تلك المغامرة التي أضرت بالاقتصاد الامريكي وساهمت بازدياد الازمة المالية والعقارات في الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاروبية ، وأعلن فون شينك أن من أسباب ازدياد ظاهرة ارتفاع اسعار النفط وشحها مساعي الولايات المتحدة الامريكية ضرب الاقتصاد والصناعة في الصين وبعض الدول التي تشهدة انتعاشا وثورة صناعية مثل البرازيل وجنوب افريقيا اضافة الى الهند الا ان هذه السياسة لم تحدث للهند أضرارا اقتصادية للاتفاقيات التي تمت بين واشنطن ودلهي وتضامن الهند مع الولايات المحدة الامريكية بشأن اتفاقيات المناخ الدولي وتريد واشنطن الحيلولة دون أن تصبح الصين دولة تجارية كبرى في العالم بعد أن اصبحت تضاهي المانيا في التجارة الدولية ، فألمانيا وحتى النصف الاول من هذا العام لا تزال تعتبر بطلة العالم تجاريا ، فقد ساهمت الازمة المالية وارتفاع أسعار النفط الحيلولة دون ان تأخذ الصين لقب هذه البطولة من المانيا . الا أن رئيس الجمعية الاتحادية لمجموعات التجارة الالمانية انطون برونر أكد بأن الازمة المالية ومساعي الولايات المتحدة الامريكية للحيلولة دون قوة الصين اقتصاديا الحقت ايضا أضرارا بالاقتصاد والصناعة الالمانية والاوروبية فقد اشارت المنظمة الاروبية للتنمية ان الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الامريكية ارغمت الكثير من مجموعات الصناعة والبنوك الاوربية انتهاج سياسة التقشف بالرغم من مساعي المانيا لانقاذ الاقتصاد الامريكي وخاصة الدولار فارتفاع العملة الاوربية / اليورو / أمام الدولار ساهم بتراجع الطلبات على الصناعة الالمانية من امريكا قبل بدء الازمة المالية الامر الذي ساهم بتراجع الصادرات الالمانية الى الولايات المتحدة الامريكية وذهاب اكثر البضائع الالمانية الى دول الاتحاد الاروبي ،ؤكدا ان استمرار الحرب في العراق وافغانستان لن تساهم بحل المشاكل الاقتصادية وانهاء الازمة المالية على المدى القريب محذرا في الوقت نفسه من مغبة اعمال عسكرية ضد ايران ، فالاجراءات الاقتصادية التي انتهجها مجلس الامن الدولي ضد تلك الدولة ألحقت اضرارا اقتصادية بالصناعة الالمانية اذ تراجعت الطلبات الايرانية على المانيا ودول الاتحاد الاروبي ، كما ستساهم اي حرب جديدة في الخليج العربي الى تراجع ثقة الدول العربية بالمانيا واوروبا من جديد اذا ما عاضدت الولايات المتحدة الامريكية في مغامرة جديدة وبالتالي مساهمة المانيا واوروبا بإجراءات اقتصادية جديدة ضد ايران .