أكثر من منتصر واحد في معركة العدالة والتنمية التركي
أكثر من منتصر واحد في معركة العدالة والتنمية التركي
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
عريب الرنتاوي
ليس حزب العدالة والتنمية وحده من انتصر في المعركة القضائية التي شهدتها تركيا خلال الأشهر الماضية، فالقضاء التركي أيضا، خرج منتصرا على محاولات جعله "حصان طروادة" يحمل في أحشائه جيوش الانقلابيين من عسكر وجنرالات...والديمقراطية التركية خرجت كذلك منتصرة في واحدة من معاركها التي لم تتوقف منذ سنوات وعقود ضد محاولات لجمها واحتوائها...وتجربة الإسلام السياسي المدني – الديمقراطي – العلماني، الأولى من نوعها، خرجت منتصرة بدورها، لتظل أنموذجا غنيا للدراسة واستخلاص العبر، وليس للاستيراد والاستنساخ.
علمانيو أنقرة الأشد ولاء للمدرسة ا"للايكية"، لم يعد بمقدورهم في مفتتح القرن العشرين امتطاء صهوات الدبابات للانقضاض على الحكومات المدنية المتعاقبة، وحل البرلمانات ذات الغالبية غير المنسجمة مع توجهات هؤلاء، فلجأوا إلى صهوة "حصان طروادة" لامتطائها هذه المرة، مستغلين أخطاء عدة قارفها حزب العدالة والتنمية واعترف ببعضها زعيمه الكاريزمي رجب طيب أردوغان، لكن المحاولة فشلت فشلا ذريعا، إذ برهن القضاء التركي أنه حارسا أمينا للدستور وضامنا صلبا للحرية والديمقراطية، برغم نشأته المتشددة في مدرسة أتاتورك ذات التوجه العلماني "المتفرنس".
ومما لا شك فيه أن موجة القلق التي عبرت عنها أوروبا والولايات المتحدة عند إحالة الحزب الحاكم إلى القضاء لمواجهة احتمالات الحظر ومنع زعاماته من ممارسة العمل السياسي، كان لها أثر كبير في خلق مناخات سياسية لم يكن بمقدور القضاء تجاوزها أو التنكر لها، فتركيا في ظل العدالة والتنمية، قطعت أشواطا حاسمة باتجاه التكيف مع معايير الاتحاد الأوروبي وشروطه، وهو شوط لم تتمكن الأحزاب العلمانية التقليدية من قطعه، وتركيا في ظل العدالة والتنمية سجلت معدلات أعلى في التنمية والنماء ونسبا أقل في معدلات انتشار الفساد وتفشيه، في بلد اشتهر باتساع قاعدة الفساد والفاسدين بين نخبه التقليدية.
وفي عصر العدالة والتنمية، أمكن إلى حد كبير، بناء المزيد من الجدران والحواجز حول معسكرات الجيش وثكنات المؤسسة العسكرية، بحيث لم يعد من السهل على الجنرالات اجتيازها، برغم مكانتهم المتميزة في ضمير الأتراك ووجدانهم، فالدور السياسي للمؤسسة العسكرية التركية تقلص في عصر أردوعان – غول، كما لم يحدث في أي عصر آخر.
تركيا العدالة والتنمية، وهي تقود بكفاءة وصبر المفاوضات الصعبة والعاثرة والبطيئة، للانضمام للاتحاد الأوروبي، فتحت لنفسها ساحات وميادين، ووفرت مجالات حيوية جديدة، لاقتصادها وسياستها الخارجية ودورها الإقليمي، فهي باتت اليوم، لاعب مهم في قضايا الشرق الأوسط على اتساعها واتساعه، وهي المرشحة أكثر من غيرها للقيام بدور "المعادل الوازن والمعتدل" للدور الإيراني في هذه المنطقة، وفي جنوب غرب ووسط آسيا وفي القوقاز، امتدادا للبلقان وأفريقيا.
كان يمكن لقرار قضائي بحل الحزب وحظر أنشطته ومنع قادته من "مزاولة المهنة" أن يفضي إلى حدوث انتكاسة لجميع المحاولات الرامية لدفع قوى وحركات الإسلام السياسي للسير على الطرق التركي، وكان يمكن لانتكاسة كهذه أن تشجع خصوم الحزب ومنتقدي تجربته ومكفري قياداته ونهجه من الإسلاميين المتشددين العرب، على المضي قدما في غلوائهم وحملاتهم الشعواء، لكن قرار المحكمة بإبراء ساحة الحزب، واكتفائها بتحذيره من مغبة الوقوع في المزيد من الأخطاء، يمكن أن يكون درسا للأتراك وحزبهم الحاكم، كما أنه سيُبقي لنا درسا نتعلمه من "التجربة التركية".