فرار إلى إسرائيل والاحتماء بها

د. ياسر سعد

[email protected]

معارك الأخوة الأعداء في الأراضي الفلسطينية لا تعرف منتصرا, فطرفاها يخسران ويُستنزفان. صور فلسطينيين شبه عراة وقد عراهم الجيش الإسرائيلي بذرائع أمنية مصطفون أمام المعبر الإسرائيلي هربا من إخوانهم في غزة -وجنود الاحتلال يرقبوهم بشماتة جلية- مهينة بطريقة مضاعفة. فمناضلي فتح وجدوا عند إسرائيل الأمن والدواء –المحروم منه القطاع- وقد سمحت لهم بدخولها لأسباب إنسانية حسب مصدر في الجيش الاحتلال!! حايم رامون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إن إسرائيل قدمت يد العون للفلسطينيين الذين يرغبون في التفاوض معها والذين يقاتلون حركة حماس المتطرفة.

غياب القادة التاريخيين من أمثال عرفات وأحمد ياسين والذين كانوا يشكلون ثقلا في الشارع الفلسطيني يساهم في صعوبة التوصل إلى اتفاقات أو الالتزام بها. كما يلاحظ أن خطاب حماس أصبح أكثر حدة وتعاملها مع خصومها في غزة صار أكثر صرامة. ولعل الحصار القاسي المفروض على قطاع غزة والتخلي العربي الرسمي شبه الكامل عن الفلسطينيين هناك, ساهم في دفع حماس إلى مزيد من التشدد وربما التطرف. كما إن مواقف السلطة الفلسطينية المتراكمة والمتراكبة من الحركة وملاحقة نشطائها ورموزها في الضفة ومساهمتها في إحكام الحصار على القطاع, والتنسيق الأمني بينها وبين الاحتلال جعلها بالنسبة لحماس أشبه بسلطة "لحدية" لا يجدي معها إلا المجاهدة والمجابهة.

حين فازت حماس وبشكل كاسح بالانتخابات الفلسطينية, أظهرت عناصر من فتح رغبة عارمة في إفشالها وفي وضع العراقيل أمام سلطاتها, ورفضت بداية الدخول معها في الحكم. وتمسكت فتح بالأجهزة الأمنية ورفض عناصرها الانصياع للحكومة المنتخبة وقاموا بحركات عصيان وتمرد وساهمت الرئاسة الفلسطينية مع الاحتلال في الضغط على حماس للاعتراف بإسرائيل والقبول بشروط اللجنة الرباعية المجحفة.

قبيل عملية الشتاء الساخن على غزة أطلق محمود عباس تصريحات صحفية عجيبة قال فيها أن القاعدة موجودة في غزة, وفهم من التصريح أنه ضوء أخضر لإسرائيل لشن حملتها العسكرية التدميرية على غزة وإزاحة حكومة حماس بالقوة. كما تسربت تقارير كثيرة عن إن السلطة الفلسطينية تعرقل صفقة مبادلة جلعاد شاليط حتى لا تشكل إنجازا شعبيا لحركة حماس, من ضمنها ما ذكرته صحيفة "هارتس" بأن عباس هدد بحل السلطة في حال أفرجت إسرائيل عن نواب حماس ضمن اتفاق يشمل الجندي الإسرائيلي شاليط. وفي تعليقه على ما يجري حاليا في غزة قال أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم، أن حماس تسعى من خلال هجمتها الوحشية على أبناء شعبنا في غزة إلى إقامة إمارتها الطالبانية.

مواقف السلطة المتعددة والعدائية بل ومحاولاتها استغلال الحرب العالمية على "الإرهاب" في صراعها السياسي مع حماس أدى إلى تباعد الفرقاء وتحول الخصومة السياسية بينهما إلى صراع دموي يحاول كل طرف فيه إلغاء الآخر. الاحتلال يرقب ما يجري بنشور وسرور بالغ, بل ويحاول عبر تسريب الأخبار والتقارير وإطلاق التصريحات أن يذكي أوار الخلافات. فما يجري من صراع فلسطيني-فلسطيني يوفر على إسرائيل الكثير من الجهد والعناء, ويغطي على تجاوزاتها ومشاريعها, ويظهر الفلسطينيين كطرف غير قادر ولا يستحق إدارة دولته الموعودة أو الموهومة.