مشروع "رصيد" نموذج من نماذج الارتزاق بالمشاريع الوافدة

مشروع "رصيد"

نموذج من نماذج الارتزاق بالمشاريع الوافدة

لدى فئة نافذة في وزارة التربية الوطنية

محمد شركي

[email protected]

عودتنا فئة نافذة في وزارة التربية الوطنية  وصاحبة القرار والمتحكمة فيها ، وهي أصل الداء الذي ينخر المنظومة التربوية الارتزاق بالمشاريع الوافدة ، ذلك أنه كلما قرعت أجراس الإنذار المحذرة من إفلاس المنظومة التربوية لجأ ت هذه الفئة  إلى  حيل من أجل الالتفاف على الإفلاس بالارتزاق عوض الإصلاح ، ومن حيلها اللجوء إلى الوكالات الدولية الأجنبية  تعقد معها الشراكات والصفقات بذريعة البحث عن حلول لمعضلة المنظومة التربوية . ومعلوم أن الفئة صاحبة القرار ، و المهيمنة على الوزارة  لا تغير بتغير الوزراء فهي نفسها منذ استقلال البلاد حيث يتلقى اللاحق من عناصرها عن السابق  أساليب الدفع في اتجاه إفلاس المنظومة التربوية تحت شعار الإصلاح . والحقيقة أن الشغل الشاغل لهذه الفئة هو البحث عن الشراكات التي تلبي تطلعاتها وتحقق مصالحها . ولقد سمعنا بالعديد من المشاريع الوافدة ولن يكون مشروع " رصيد " آخرها، وهو مشروع أعلن عنه في غمرة  ما سمي استشارة الوزارة  الموسعة للبحث عن إصلاح المنظومة التربوية المختلة . ولقد  وجدت الفئة النافذة في الوزارة  والمرتزقة بالمشاريع الفرصة سانحة للإعلان عما  سمي مشروع " رصيد " بدعوى الارتقاء بمهارة القراءة لدى المتعلمين في المرحلة الإعدادية من التعليم الثانوي وذلك بالشراكة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعروفة باسم ( اوسايد)ولا شك أن  وراء هذه الشراكة ما وراءها من أطماع  أصحاب النفوذ في الوزارة تتمثل قي التهافت يتهافت على الجانب المادي لهذه الشراكات يتلقفونها تلقف التماسيح الضارية  الفاغرة الأفواه ، خصوصا وأنهم  يجدون في هذه الشراكات ذريعة لاستباحة مال الوزارة أو المال العام . ومعلوم أن الشراكات الأجنبية وراءها ذئاب لا تعوي لوجه الله بل لها مصالح خفيها  أخطر وأدهى  من جليها. وبالرغم من كون الوزارة الوصية ها تصلها سنويا  قناطير أو أطنان من التقارير الميدانية  من الجهات المختصة عن الوضعية التعلمية  التعلمية وهي تقارير مصيرها سلات المهملات فإن أصحاب القرار فيها  لا يعنيهم سوى التعاقد مع  الجهات الأجنبية طمعا في منحها من جهة ، وتحايلا على مال الوزارة أو المال العام من جهة أخرى .  وما أزرى بالمنظومة التربوية وبما يتعلق بها وبانحطاط مستوى التعلم سواء تعلق الأمر بمهارة القراءة أو غيرها من المهارات سوى التدبير الفاشل لأصحاب القرار في الوزارة الذين يعبثون بأهم وأخطر قطاع تعتبر مخرجاته رأسمال بشري لا يقدر بثمن . ويتجلى عبث هؤلاء بالمنظومة التربوية من خلال تصيد فرص نهب المال العام  والمنح الأجنبية وهو شغلهم الشاغل ، وذلك على حساب هذه المنظومة المختلة بسبب سوء تدبيرها أولا وأخيرا .  ويعرف الرأي العام التربوي أن المتعلمين في كل أسلاك التعليم وليس في سلك بعينه يعانون من تعثر أو عجز في مهارة القراءة ، ولا يحتاج هذا الأمر إلى شهلدة الوكالة الأمريكية ، ولا إلى تدخلها لمعالجة المشكل .  فمن المعلوم أن الثورة التكنولوجية في المجال المعلوماتي ، وانتشار الأجيال الذكية من الهواتف الخلوية والحواسيب أثر على مكانة الكتاب لدى  إنسان هذا العصر خصوصا لدى الناشئة  في كل أقطار العالم حيث انصرف الجميع  إلى ما تقدمه  هذه التكنولوجيا المعلوماتية  من مواد تستهلك الوقت الكثير الصارف عن القراءة التي تعتمد الكتب والمطبوعات .  ومع أن تكنولوجيا المعلوميات تقدم المكتوب أيضا على شاشات الحواسيب  وبلورات الهواتف الخلوية الذكية ، فإن الناشئة تتنكب هذا المكتوب ، وتنصرف عنه إلى ما يلبي حاجياتها من الألعاب  والدردشات التي تستهلك الوقت الكثير . وما لجأت دول عظمى إلى إغراق الأماكن العمومية  ومحطات المترو بالكتب إلا  لإغراء ناشئتها بالإقبال عليها واستدراجها  نحو القراءة أملا في معالجة آفة ضعف مهارة القراءة لديها . ولا يجادل في تراجع الإقبال على قراءة الكتب  لدى المتعلمين أمام غزو تكنولوجيا  المعلوميات إلا مكابر  وجاحد أو جاهل . وفي الوقت الذي يجد المتعلمون ضالتهم في  هذه التكنولوجيا التي تقدم لهم ما يستهويهم  ويلامس اهتماماتهم  لا يجدون في الكتب ما يستميلهم بل ينظرون إليها وكأنها تحف  أثرية لا علاقة لها بحياتهم . ومما زاد من نفور الناشئة من الكتب اعتماد المؤسسات التربوية لها  خصوصا الكتب المدرسية وهي أكثر المطبوعات المثيرة للملل  بأشكالها ومضامينها  وطرق التعامل معها ... ومما يزيد المتعلمين نفورا منها حمولتها التي لا تعكس اهتماماتهم  ومشاغلهم ، وتقدم لهم  تصورات مثالية  وخيالية لا أثر لها في حياتهم لأن واضعي هذه الكتب يخضعون لما يمليه أصحاب القرار السياسي من أجل مخرجات بمواصفات معينة  لهذا يقدمون مضامين لا تلبي حاجات المتعلمين بل تهدف إلى صياغتهم صياغة خاصة .و لا يخطر ببال الفئة  النافذة في وزارة التربية  استشارة من يعنيهم الأمر بمعرفة ميول المتعلمين بخصوص القراءة لأن هؤلاء لا يمكن أن يقبلوا على القراءة دون خلق صلة بينهم وبينها . ولو قدمت استمارات للمتعلمين  تتضمن  أسئلة عن أسباب إقبالهم على الهواتف والحواسيب الذكية لانكشفت أسباب إعراضهم عن الكتب . وحتى على افتراض أن الكتب الورقية حاكت الوسائل الرقمية في منوعاتها فإنها لا يمكن أن تجاريها ذلك أن الرقمي متحرك ومتغير ، والمكتوب جامد وثابت . ولقد ثبت بالتجربة أن المتعلمين عندما يحالون على الرقمي لاستثمارها قراءة  لتحويله إلى مكتوب لا يزيد عملهم عما يعرف بعملية النقل والإلصاق وهي عبارة عن عملية حاطب ليل كما يقال . ومما يعكس عزوف المتعلمين عن القراءة  وعن الكتب  خصوصا المدرسية  أنهم  يهملون هذه الكتب  ولا يبالون بإحضارها  بل يتعمدون تغييبها  وفي ذلك  مؤشر على الزهد في القراءة  في حين لا يخلو جيوبهم من  هواتف خلوية تشغلهم عن التعلم وتغنيهم عن القراءة . فعلى الفئة النافذة في وزارتنا والمشغولة  بالريع  والامتيازات  من خلال  عقد الشراكات الأجنبية  طمعا في منحها  وفي المال العام المضمون لهده المنح  أن تعرف أولا الاتجاه الذي تأخذه ميول المتعلمين  قبل الإعلان عن مشاريعها  من قبيل مشروع " رصيد "  أو غيره من المشاريع التي تتهافت عليها  وتهدر فيها الوقت والجهد والمال  بلا طائل .  وأخيرا يعتبر موضوع مهارة القراءة شغل أهل التخصص الذين  تزهد  الفئة  النافذة في الوزارة فيهم لأن شغلها الشاغل هو الارتزاق في حين أن همهم هو إصلاح المنظومة ما استطاعوا  وما توفيقهم إلا بالله.