السيسي عندما تمتد "فترة الخطوبة"!
السيسي عندما تمتد "فترة الخطوبة"!
سليم عزوز
كنا قد نسينا فكرة اللقاء الشهري، لعبد الفتاح السيسي، عبر التلفزيون الرسمي للدولة، ومن رجل يخشى النزول للجماهير، فقرر أن يلتقي بهم «عبر الأثير»!
لكنها مناسبة جيدة، ليذكرنا السيسي بالتلفزيون المصري، الذي أسودت شاشته لأكثر من نصف ساعة، فلم يعلم الناس بما حدث إلا من خلال قناة «الجزيرة»، وإلى الآن لم نعرف السبب في ذلك، فقد ألقى رئيس إتحاد الإذاعة والتلفزيون عصام الأمير، باللائمة على وزارة الكهرباء، بينما أعلنت الوزارة عدم مسؤوليتها، وتم إلهاء الشعب المصري، بتصريحات وزير العدل، الذي قال في مقابلة تلفزيونية إن «ابن الزبال» لا يصلح للعمل في القضاء!
أدهشني أن يتابع القوم في «الجزيرة» التلفزيون المصري مع أنه طارد للمشاهدين لدرجة رؤية الشاشة، سوداء لأول مرة في تاريخ هذا التلفزيون الذي يمثل سيادة السلطة القائمة، فلم يعهد به المخلوع مبارك إبان ثورة يناير/كانون الثاني للجيش لحمايته، وإنما كانت الحماية من إختصاص الحرس الجمهوري، إذ يعني سقوط التلفزيون سقوطاً لحكمه!
بيد أن شاشته وفي عهد عبد الفتاح السيسي إسودت لمدة نصف ساعة، دون إطلاعنا على سبب مقنع، رغم أن الجميع إتفق على أن ما حدث يمثل تعريضاً للأمن القومي المصري للخطر، والمضحك أن هناك من قالوا إن الإخوان الذين يعملون في مبنى التلفزيون هم من فعلوا هذا، مع أن صلاح عبد المقصود وزير الإعلام في عهد الرئيس محمد مرسي، قال إنه ذهب ليبحث عن الإخوان في مبنى «ماسبيرو»، فكان كمن يبحث عن إبرة في «كومة من القش»، ستة فقط عثر عليهم ويبدو أنهم تكاثروا حد قدرتهم على تسويد الشاشة، ومن يملك تسويدها اليوم سيملك غداً إعلان البيان رقم واحد!
الإتهام الوحيد الذي لم يوجه للإخوان، حتى كتابة هذه السطور، هو أنهم السبب في زيادة نسبة العنوسة في مصر!
فيلم إبن الزبال
لقد نسي الرأي العام ما جرى، بفيلم «إبن الزبال» المحروم من «العمل القضائي» وكأنه إكتشاف، وكأن أحدا لا يعلم أن هناك مناصب في مصر، تشترط «اللياقة الإجتماعية» في شاغلها، وعندما جاء رئيس من الشعب المصري، ورفض إستبعاد المتفوقين من أول كشف قدم له لإعتماده من المقبولين للتعيين في النيابة العامة، وإستبعد أكثر من مائة شخص من أبناء القضاة الفاشلين دراسياً، وتم عزل الرئيس، إعتمد السيسي نفسه الكشف المعد من المجلس الأعلى للقضاء!
ولم يذكر أحد لمرسي موقفه، حتى من الثوار الذين مثلوا غطاء ثوريا للثورة المضادة، كما لم يجرؤ أحدهم على الاعتراض على ما قرره السيسي وصلاً بالقواعد المستقرة في عهد المخلوع مبارك، فلا حديث عن مبدأ العدالة الإجتماعية الذي كان من مطالب الثورة، فقد كان السيسي يمثل عندهم خيار الثورة وإن حاد عن طريقها!
بيد أن أنصار السيسي لم يعودوا متحمسين له، حتى أولئك الذين خرجوا يعلنون الحب العذري من أول نظرة، فلم يعد هناك من يقول له أن مصر حبلى بنجمك، إذ يبدو أنها تعرضت للإجهاض. ولم تعد توجد كاتبة يمكنها أن تهب نفسها له جارية في البلاط!
السيسي الذي صنع الإعلام هالة له، سقطت هالته، ولم تعد هناك سوى «هالة صدقي»، و«هالة سرحان»! عندما تم التذكير بأننا اليوم وفي تمام الساعة السابعة مساء بتوقيت القاهرة، سيكون موعدنا مع اللقاء الشهري لخالد الذكر عبد الفتاح السيسي، غادرت في الموعد المحدد إلى هناك، فوجدت فاصلاً من الأغاني الوطنية، التي ذكرتني بالأيام الأخيرة للسادات، فنفس الأغاني تقريباً هي التي كانت تبث، فلم يتم بث الأغاني الجديدة التي أنتجت خصيصاً لعهده مثل «تسلم الأيادي»، أو «بشرة خير»!
حجم خيبة الأمل، الذي مني بها أنصار السيسي، الذين ظنوا أن «تحت القبة شيخ»، سيجعل من هذه الأغاني تمثل عذاباً مضاعفاً، والتي طالما رقصوا عليها «على واحدة ونص»، قبل أن يكتشفوا خيبتهم الثقيلة!
تجاوزت الساعة السابعة، بدون أن تكون هناك إشارة، لأجد على الشاشة «تترا» لمسلسل، وأيضاً دون الإعلان عن أن اللقاء الشهري المبارك، سيتأخر بثه، يبدو لأنه تأخر في تسجيله، وتأخر مونتاجه، بشكل جعل من بيده قرار البث، لا يعرف متى يتم الإنتهاء من المهمة!
لا يتحدث السيسي حديثاً مباشرا للناس، فكل كلامه مسجل، ويتعرض للقص واللزق، وفي كل مرة، ومع ذلك، نكتشف كوارث، فماذا لو كان اللقاء على الهواء مباشرة؟!
«شوربة الفول النابت»
بعد ساعة، طل علينا السيسي، وبدا اللقاء عملاً روتينياً «منزوع الدسم»، وشبيهاً بأكل المرضى، فلا طعم، ولا نكهة، ولا قيمة غذائية. هل جربت «شوربة الفول النابت»؟!.. حديثه كان «كشوربة الفول النابت»!
لكن ليس كل القراء تذوقوا «شوربة الفول النابت».. إذن لا بأس!.
جاء حديثه مفتقداً للحماس، ويشبه حديث الفتى والفتاة، وقد طالت «فترة الخطوبة» أكثر من اللازم..
لقد عاشا الحلم، واستيقظا على الواقع، وحلقا في الفضاء وسقطا على الأرض، وقالا كل الكلام، والوعود، والأحلام، وبددا كل المخزون الإستراتيجي من العواطف الجياشة!
جاء يقول لها بشكل روتيني «بحبك»، بعد أن فقدت الكلمة معناها وحماسها، وبشكل ميكانيكي يكون الرد: «وأنا كمان». ثم يكتشفا أنه كلام قديم والجديد هو ماذا فعل في الشقة، والمهر، ومستلزمات الزواج؟! وهو لا إجابة عنده. بعد دقائق يكتشفان أنه لم يكن هناك مبرر للقاء أصلاً!
السيسي أقدم على «الخطوبة»، أو «الخطبة» بكسر الخاء، حتى لا نغضب فقيه اللغة العربية بقناة «الجزيرة» عارف حجاوي، لكنه إكتشف وإكتشف معه الجميع أنه لم يكن مؤهلاً لهذه الخطوة، وكل الكلام قاله، وهام بأنصاره وهاموا به، وبعد مرحلة المشاعر الفياضة، وقف مكانه وفقد الكلام معناه، وإن كان خطى خطوة للأمام في هذا السياق، فقال إنهم يقومون بمشروعات لا يعلنون عنها خوفاً من الأشرار!
يؤمن السيسي بالحسد، وأنا مثله، لكن لأول مرة أرى دولة تدار في السر خوفاً من عيون الحاسدين، وهنا علينا أن نقترح في مواجهتهم أن يتم التخلص من شرورهم بالأعمال السفلية، وأن تكون هذه الأعمال على ذيل سمكة وتلقى في نهر النيل لتؤدي مفعولها إلى حين أن يجف النهر ويتم اصطياد السمكة!
في اللقاء التلفزيوني لم يكن لدى السيسي ما يقوله، بعد أن سخر الجميع من فكرة المشروعات السرية، ولم يبذل أي جهد لتبدو لديه أي درجة من درجات الحماس الباعث على الأمل، لقد فشل ولم يعد لديه ما يقوله!
الأشقاء
تحدث عن الإرهاب، وعن جهاز الدولة، حديثاً باهتاً لا ينطلق من أي رؤية، فحتى تجارة الإرهاب تبدو أنها بارت، وتحدث عن تنمية سيناء، وهو حديث قديم في وقت لم نشاهد سوى تخريبها، ووصف أهل سيناء بالأشقاء وكأنه يتحدث عن الشعب السوداني، وكأن هذا ما تهدف إليه خطته من دخوله في حرب ضد إرهاب محتمل فتحول إلى واقع عجز عن مواجهته، لتتأكد المخاوف من أن يكون ما يفعله هو مخطط لانتزاع سيناء من جسم الوطن!
حتى طاقم العمل في برنامج عبد الفتاح السيسي فقد الحماس له، على عكس اللقاء الأول، الذي كان الحماس زائداً عن الحد، فكان الإخراج أقرب لإخراج «الموالد»!
وكان المونتاج على الدرجة نفسها من فقدان الحماس فتكرر مقطع كامل، وعندها غادرت إلى «موجة كوميدي»، وقيل إنه ساق أرقاماً غير دقيقة اصطاده منها إبراهيم عيسى على قناة «أو تي في». فإبراهيم يدور مع صاحب «أون تي في» أينما دار، ويبدو السيسي وساويرس يضمر كل منهما الغدر للآخر.
مما قاله السيسي وهو يطمئن فؤاد الرأي العام بأن مخزون القمح هو 800 ألف طن ويكفى مصر لمدة أربعة شهور، في حين أن هذه الكمية تكفي لشهر واحد.
لا أظن أن الرأي العام كان قلقاً على مخزون القمح، لكنه بعد هذا التصريح لا بد من أن يقلق!
بعد أيام كان الدكتور «خليل العناني» في برنامج «حديث الثورة» يعلن أن السيسي بلا أي قيمة، وإذا أبعد عن المؤسسة العسكرية، فلا معنى له. وإنتظرت أن إستمع للرأي الآخر، فإذا بأستاذ العلوم السياسية نبيل ميخائيل، المتحمس بلا ضرورة للسيسي يبدو فاقداً للحماس، ويسيطر عليه الإحساس بخيبة الأمل راكبة جمل، وهو الذي كان يدافع إلى حد أنه استقر في وجداني أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من إنهيار في التعليم، لأن يكون هو أحد الأساتذة في جامعاتها!
«الجزيرة» ستجد نفسها في مأزق في المرحلة المقبلة عند تطبيق شعارها «الرأي والرأي الآخر»، فلم يعد أحد يتحمس للسيسي أو لديه قدرة لذكره بالخير إلا عبد الحليم قنديل الذي يعلق الفشل في رقبة رئيس الحكومة، لكنه لن يستطيع أن ينفي الفشل! «مجدي الدقاق» الذي أعاد له انقلاب 3 يوليو الروح أصبح في تعليقاته في صفحته على «الفيس بوك» يعبر عن حالة إحباط تلمسها في كل كلمة.
في مثل هذه الحالة فإن «فسخ الخطوبة» يمثل راحة لكل الأطراف! إرحل.
صحافي من مصر