خيارات إيران في الهلال الخصيب
العربي الجديد
يعكف المسؤولون الإيرانيون، المنشغلون بالمفاوضات النوويةوإعادة الاصطفافات التي سيرتبها أي اتفاق داخل هيكليةالنظام في إيران، على إعادة ترتيب أوراقهم في منطقةالهلال الخصيب، بغرض مواجهة ضغوط منافسيهمالإقليميين هناك. وبداية، أكد الساسة الإيرانيون، الذينيعتبرون سورية درة تاج نفوذهم الإقليمي في العالم العربي،أنهم سيواصلون تقديم الدعم لبشار الأسد "حتى النهاية"،على خلفية سقوط إدلب وتدمر، بالترافق مع زيادة دعمهممليشيا الحشد الشعبي، عقب استيلاء تنظيم داعش علىمدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار العراقية. وعلى الأغلب،إنهم ينتظرون انتهاء المفاوضات النووية، لكي يتفرغواللوضع في سورية.
وعلى طاولة المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي،أربعة خيارات للتعامل مع المستجدات في سورية والعراق.أولها، إعادة الهيمنة الإيرانية على الهلال الخصيب. ثانيها،الإقرار بانهيار الهيمنة الإيرانية هناك، والعمل على إشاعةالفوضى الإقليمية لاستنزاف المنطقة وتشتيتها، تمهيداًلتقسيمها. ثالثها، الدفع وراء تسوية منفردة مع الأميركيينحول سورية والعراق. رابعها، تحسين المواقع الإيرانية،استعداداً للحظة التسوية الجماعية. لكن، ربما كان فيدروس الواقع، والماضي، عبرة للإيرانيين.
إعادة عقارب الساعة
يتمثل الخيار الأول بالنسبة لإيران في استعادة الهيمنةالشاملة على الهلال الخصيب، عبر مساعدة النظامين فيدمشق وبغداد على استعادة سيطرتهما المطلقة على سوريةوالعراق على التوالي. ولكن، وبناء على التراجع في قوةالجيش النظامي وحزب الله ومليشيات الدفاع الوطني فيسورية، سيتطلب هذا الخيار التزاماً إيرانياً كبيراً، مدعوماًبعشرات آلاف الجنود من الجيش والحرس الثوري الإيرانيين.
اكتفت إيران، إلى الآن، بتدخل محدود في سورية، يعتمدأساساً على المستشارين العسكريين والمتطوعين وحشدالمقاتلين الأجانب. ومع ذلك، أزعج هذا التدخل المحدودالسعودية وتركيا، اللتين ردتا بزيادة دعمهما الثوار، ووضعخطوط حمراء داخل الأراضي السورية، يُمنع اجتيازها.
وعلى الأرجح إن تطور التدخل الإيراني، من وضعهالاستشاري الراهن، إلى العسكري المباشر، سيثير غضبالدول الإقليمية، ويدفعها إلى إنشاء مناطق عازلة داخلسورية، وتزخيم دعمها الثوار من أجل استنزاف إيران بشدةأكبر.
وإذا كانت طهران قد احتاجت إلى ضوء أخضر أميركيوروسي مزدوج، من أجل إتمام تدخلها "المحدود" فيسورية، فإن إرسال عشرات الآلاف من الجنود الإيرانيين إلىهذه الدولة سيتطلب ما هو أكثر من الضوء الأخضر، إذ علىالأرجح أن تطلب إيران تكليفاً دولياً أو على الأقل ضماناتدولية.
وسبق لدمشق أن جربت التدخل العسكري المباشر فيجارتها الضئيلة لبنان، والذي انتهى باتفاق الطائف،وبوصاية سورية على الشأن اللبناني، أُخضعت لقيودالشراكة مع السعودية من جهة، ومع إيران من جهة أخرى،فضلاً عن الإشراف الأميركي. وعلى الأرجح أن ينتهي أيمسعى إيراني لاستعادة الهيمنة على سورية بشيء مماثللاتفاق الطائف، وهي نتيجة محددة منذ الآن في بيانجنيف.
علاوة على ذلك، سيقود التدخل الإيراني المباشر، الذي سيتمبذريعة محاربة الإرهاب، إلى خوض إيران حرباً برية ضدتنظيم داعش، الأمر الذي رفضته القوى الدولية والإقليمية.وبناء على تجارب الغزو الأميركي لكل من أفغانستانوالعراق، وتجربة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضدداعش، فإن الصراع العسكري مع هذا التنظيم لن يكوننزهة بالنسبة للجيش الإيراني، حتى لو تم بالتنسيق الكاملمع قوات التحالف الذي تقوده واشنطن.
وتتضح مخاطر سعي دولة من الدول إلى استعادة هيمنتهاالشاملة بعد انهيارها، من حادثة وقعت قبل حوالي أربعمائةعام، فقد رفض آل هابسبرغ حكام الإمبراطورية الرومانيةالمقدسة وإسبانيا، الإقرار بنتائج الإصلاح الديني، وأصرواعلى إعادة الهيمنة الشاملة للسلطة الإمبراطورية والكنيسةالكاثوليكية على مناطق الاعتراف البروتستاني في شمالألمانيا. في نهاية المطاف، تسبب تحجر آل هابسبرغوعنادهم، وضيق أفقهم في خسارتهم هيمنتهم التقليدية علىأوروبا لصالح آل بوربون حكام فرنسا. فكان ذلك أهم نتيجةلحرب الثلاثين عاماً (1618 – 1648)، والتي كرسها صلحوستفاليا. ولم يفت مستشار النمسا، كليمانس فون
وسوم: العدد 625