50 مليون برميل من النفط الإيراني وتجاذبات جديدة بين طهران وواشنطن

الاتفاق النووي فتح عدة مجالات للتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووضع خطوطا عريضة لإنشاء تحالف استراتيجي بين طهران وواشنطن كما أكد وزير المخابرات الأسبق وعضو كبير في مجلس خبراء القيادة الإيراني، علي فلاحيان. وبين أن أحد أهم محاور هذا التحالف هو وضع حد لتقدم منظمة شنغهاي للتعاون الأمني ومجموعة بريكس الاقتصادية نحو غرب آسيا والمنطقة العربية. وسيحصل ذلك عبر وضع ضغط كبير على اقتصاد روسيا التي تعتبرها الولايات المتحدة من ضمن أكبر المخاطر على أمنها القومي. وبدأت بعض المخاوف من الصفقات الخفية التي تم التخطيط لها بين أمريكا وحليفتها الجديدة في المنطقة، تظهر في بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية، وكشف موقع «راديو فرنسا» أن منذ شهر كانون الثاني/يناير الماضي تم تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة في واشنطن بين إيران والولايات المتحدة لتوفير الضمان المالي لاستثمارات أمريكية بمبلغ 50 مليار دولار.

ويُقدر أن إيران خزّنت ما يقارب 50 مليون برميل من نفطها في 25 ناقلة عملاقة للنفط استعدادًا للحظة إلغاء العقوبات، ودخول هذه الكمية الكبيرة من النفط إلى الأسواق ستسبب بإنهيار حاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية، حسب ما أعلن موقع كوارتز الأمريكي. وأشار الموقع إلى أنه في أدنى التقديرات خزّنت طهران 30 مليون برميل من النفط، لكنه شدد على أن العدد الأقرب للواقع هو 50 مليون برميل. وأضاف التقرير أن أسعار النفط ستجرب إنهيارا حادا خلال 5 أشهر بعد لحظة رفع العقوبات على إيران، حتى تبيع طهران هذه الكمية الكبيرة من نفطها المخزون في الناقلات، وذكر أن زيادة عرض النفط في الأسواق حاليًا وعدم وجود أي مؤشر لاستعداد منتجي النفط لتخفيض العرض، سيساعد على سقوط الأسعار بشكل حاد.

وتشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة منذ فترة تخطط لإدخال النفط الإيراني والعراقي بكميات كبيرة إلى الأسواق العالمية قريبا، للضغط على اقتصاد الروسيا والمملكة العربية السعودية. وأيضًا تحاول واشنطن بناء محور نفطي جديد يتكون من واشنطن وطهران وبغداد، بحيث يصبح منافسًا قويًا للنفط الروسي والسعودي. وفي واقع الأمر الولايات المتحدة تحاول تعويض عدم نجاحها في إدخال نفطها للأسواق بعد إلغاء باراك أوباما لقانون منع تصدير النفط الأمريكي إلى خارجها الذي تم وضعه في 1970. وكان سبب هذا الفشل الأمريكي في زيادة تصدير النفط من قبل روسيا والسعودية معًا وإعطاء تخفيضات كبيرة للزبائن وعلى وجه الخصوص الآسيويين. واختصرت بعض وسائل الإعلام هذه المنافسة على أن السعودية تريد إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني. لكن الفارق الكبير بين كمية تصدير إيران (850 ألف برميل) والسعودية (أكثر من 10 ملايين برميل)، وأيضًا زيادة روسيا صادراتها من النفط أكثر من مليوني برميل يوميًا، يقلل من أهمية ذلك التفسير، فضلاً على أن طهران لم تتـمكن من التصرف في عائداتها النفطية بسبب العقوبات البنكية والمالية الغربية.

وفي هذه الأثناء، تكشف بعض التقارير عن محاولات أمريكية لوضع بعض الحلول الجديدة ترضي شريحة أوسع من المكون السني والمعارضة المسلحة في العراق. بعبارة أوضح، الاتفاق النووي غيّر من أولويات واشنطن في العراق، وسيتم التركيز على زيادة إنتاج وتصدير النفط العراقي وترتيب الآلية السياسية والأمنية والفنية والاقتصادية اللازمة للحصول على ذلك. وجاء الرفض الضمني للحلول الجديدة الأمريكية على لسان أحد أهم رجالات إيران في بغداد وهو قائد ميليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، الذي وصف العملية السياسية الحالية بأنها فاشلة، وأعلن عن رفضه لنظام المحصاصة، وطالب بتغيير النظام السياسي العراقي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وهذا التصريح يعتبر رفض إيران القاطع لأي حل يفضي إلى مشاركة حقيقية للمكون السني في العملية السياسية في بغداد. وتحاول إيران والجماعات والأحزاب الموالية لها في العراق عبر المطالبة بالنظام الرئاسي والتلويح بورقة نوري المالكي، أن تعبر عن شدة رفضها لمقترحات أمريكا الجديدة.

من جهة أخرى، المحور النفطي الجديد بين طهران وواشنطن وبغداد الذي لا يزال قيد الإنشاء، سيحقق هدفًا آخر للغرب، وهو تقويض وتضعيف منظمة أوبك، ما لوح به بعض المسؤولين الإيرانيين، وحذروا أعضاء المنظمة من عدم فسح مجال أوسع للنفط الإيراني ضمن إنتاج المنظمة، وشددوا على أنه إذا لم تفعل المنظمة ذلك، ستخسر أوبك مكانتها العالمية. وستكون تداعيات أخرى لهذا المحور النفطي، ومنها يمكن تفسير جزء من دوافع دولة الإمارات العربية المتحدة لرفع الدعم الحكومي للمحروقات في هذا البلد. ويظهر أن الدول المنتجة للنفط بدأت تستشعر وتحضر لأيام وأشهر عاصفة في أسواق النفط، كما شهدناه العام الماضي.

إيرانيًا، المحور النفطي الجديد يلبي احتياجات طهران ويوفر لها الغطاء والقوة اللازمة لرجوعها القوي إلى السوق العالمي للنفط، كما صرح قبل بضعة أيام وزير النفط الإيراني، بيجن نامدار زنكنة، أن إيران فور إلغاء العقوبات ستزيد تصدير نفطها إلى الأسواق ولو إن تسبب ذلك بانخفاض سعر النفط بشكل كبير. ويستقوي الإيرانيون بحليفهم الجديد أي «الشيطان الأكبر» السابق، وطهران لا تعير أهمية كبيرة للموقف الروسي والسعودي ولا ترى أنها بحاجة للتنسيق مع باقي منتجي النفط في أوبك أو خارجها كالسابق.

وأخيرًا وليس آخرًا، نحن على أبواب إنشاء تحالفات جديدة تنسف التحالفات التقليدية الحالية، وسيولد نظام عالمي جديد من أقطاب متعددة يختلف تمامًا عما نعرفه الآن.

وسوم: العدد 626