إفلاس الأحزاب السياسية افقدها دورها في الحكم المحلي!!
*سقوط الجبهة فتح أمام الناصرة أبواب التفكير المختلف وتطوير
أسلوب علاقات مختلف* أنا على ثقة ان علي سلام سيواصل مشاريع
التطوير والأهم ان علاقاته مع الجمهور هي علاقات مباشرة *
*****
القضية الأكثر أهمية في التأثير على واقع الجماهير العربية في إسرائيل، هي السلطات المحلية ( أو الحكم المحلي كما تسمى عادة).
كل مراقب بإمكانه أن يلاحظ بدون جهد كبير، أن الأحزاب لسياسية تتراجع عن الدور الذي كانت تقوم به في إدارة الحكم المحلي، وخاصة الحزب الأبرز والأكبر في مجتمعنا، الحزب الشيوعي عبر ما صار يعرف بالجبهة الديمقراطية.
يمكن القول لتعميق الرؤية العامة للقارئ، ان الجبهة الديمقراطية لعبت في العقود الأربعة الماضية، نظريا على الأقل.. دورا بالغ الأهمية في تحرير الحكم المحلي من العائلية السياسية والطائفية السياسية، وتمكنت من مواجهة سياسة المؤسسة الحاكمة التي تهدف بوضوح إلى استمرار سيطرتها على المؤسسات العربية، وعليه تستعمل المؤسسة الحاكمة السلطة المحلية كأداة تساعد على استمرار سيطرتها. تلك مرحلة كنت أظن إننا عبرناها.عندما كنت أرى ان الجبهة نجحت في الناصرة وانتشر "الفيروس" الجبهوي (بمعناه الايجابي) في الكثير من بلداتنا العربية ، وأضحت السلطات المحلية والبلديات الأساسية تحت إدارة جبهوية أو بتحالف مع الجبهة، رأيت بذلك تحولا سياسيا ايجابيا، لكن لم يطل الوقت ليتبين ان الأحزاب السياسية لم تختلف بتصرفاتها، إلى حد بعيد ، عن تصرفات العائلية السياسية والطائفية السياسية.
بألم أقول ان هذا برز في الناصرة أيضا وبقوة. وحدث ولا حرج عن بلداتنا العربية حيث العلاقات العائلية والطائفية أكثر قوة وتأثيرا.
كثيرا ما تساءلت أين نهج الحزب الشيوعي الفكري؟ أين تلاشت المواقف المتجردة من التأثيرات المنفعية؟ وحثثت مرات عديدة الجبهة(خاصة في الناصرة) إلى مراجعة تجربتها.وشعرت بقلق كبير على مجمل تطورنا الفكري والاجتماعي والسياسي من تحول الأحزاب، بما فيها الحزب الشيوعي وجبهته، إلى مجرد سماسرة للقوائم العائلية والطائفية أو العائلية والطائفية معا.
أقول بوضوح أكبر، تركيبة قائمة جبهة الناصرة لم تكن سياسية محض، بل تركيبة طائفية عائلية حاراتية لا تشكل تعبيرا عن مجتمع مدني متطور ثقافيا ، ومؤهل علميا بمستوى لا يخجل أي مجتمع أوروبي. كنت مصابا بحيرة صعبة، هل هذا هو الحزب الذي أضعت فيه نصف قرن من عمري؟ على جلدي الشخصي عبرت على تجربتين جعلتاني ، ضمن تفاصيل وتصرفات أخرى، أقرر أني لن استطيع ان أكون جزءا من هذا الجسم السياسي..
ان تأسيس الجبهة الديمقراطية في الناصرة كان عملية سياسية إبداعية أشبه بثورة بيضاء. لا يمكن إنكار دور سكرتير فرع الحزب الشيوعي في الناصرة المرحوم غسان حبيب، وأتحدى أي رفيق شيوعي ان ينكر دوره الحاسم في تأسيس الجبهة والنشاط البلدية الذي قاد إلى فرض الانتخابات على وزارة الداخلية في وقته.. وتحقيق أهم انتصار سياسي في تاريخ الجماهير العربية بانتصار الجبهة في الناصرة.
بناء الجبهة كان إستراتيجية سياسية أشرك فيها الحزب الشيوعي ومجمل أبناء الناصرة، من الأكاديميين، الطلاب الجامعيين وحتى الحرفيين والتجار.
جرى تأسيس رابطة الجامعيين التي وصل عدد أعضائها إلى ما يقارب أل 700 عضو، ورابطة الطلاب الجامعيين بمئات الأعضاء.. كذلك التجار والحرفيين ..!!
رابطة الجامعيين لعبت دورا سياسيا وتثقيفيا غير مسبوق في مدينة الناصرة.كانت برامجها تجمع آلاف المشاهدين.
كيف تلاشى هذا التنظيم بسرعة البرق؟
نفس الأمر جرى في قرانا وبلداتنا العربية، أقيمت روابط الجامعيين ونشطت سياسيا وثقافيا واجتماعيا. هل شكلت مصدر خوف للقيادات السياسية الحزبية أو الجبهوية؟ اعتقد ان هناك بعض الصحة بأن قيادات حزبية كثيرة ظهرت إلى جانب الجامعيين النشيطين سياسيا أشبه بتلامذة الصفوف الابتدائية.
تفكك روابط الجامعيين خاصة في الناصرة وضع بداية النهاية لسيطرة الجبهة.المسألة كانت مسألة وقت . الجبهة فشلت في تطوير الجهاز البلدي ليوفر خدمات بمستوى مقبول للجمهور. أسلوب التعامل مع المشاكل كان فشلا كبيرا. المقربون حصلوا على مرادهم. اذكر ان الجبهة قبل معركتين انتخابيتين في الناصرة نشرت أنها ستقوم بإصلاح جذري لجهاز الموظفين. لا أقول ان التعهد خطأ، لكنه مضحك، تسيطرون منذ ثلاثة عقود وأكثر من منعكم من إصلاح الجهاز؟
بناء على ما تقدم أستطيع القول ان أزمة الحكم المحلي اليوم هي أزمة مباشرة لإفلاس الأحزاب العربية.
السقوط في الناصرة ربما كان مفاجئا حتى لي، رغم إني دعمت الجبهة إعلاميا في المعارك الانتخابية الثلاثة الأخيرة وهي تقاطعني بصبيانية مريضة. بعد الانتخابات أعدت حساباتي. سقوطهم ليس مأساة للناصرة، إنما فتحت إمام الناصرة أبواب التفكير المختلف وتطوير أسلوب علاقات مختلف، وأنا على ثقة ان علي سلام سيواصل مشاريع التطوير ، والأهم ان علاقاته مع الجمهور هي علاقات مباشرة بدون واسطة حزبية، أو دائرة مغلقة لا يمكن اختراقها.
فكروا بمسالة صغيرة، ان الفجوة بعدد الأصوات بين رئيس البلدية المنتخب علي سلام والرئيس الجبهوي السابق المهندس رامز جرايسي، (الذي أكن له احتراما وتقديرا كبيرين بدون علاقة بالتنظيم السياسي الذي ينتمي إليه ) يشير إلى أن الهزيمة لم تكن لشخص ما بقدر ما كانت لنهج بلدي فرضه تنظيم سياسي فقد علاقاته المباشرة مع ناخبيه.
لا أرى أن المستقبل يحمل مفاجئات سياسية أو انتخابية، علي سلام سيكون رئيسا لفترة طويلة ومن معرفتي بأسلوب عمله، أرى ارتياحا جماهيريا، رغم إني اعتقد ان الانفتاح المبالغ فيه ليست طريقا سليمة، يجب تفعيل الجهاز ليوفر الوقت لرئيس البلدية لمزيد من العمل البلدي وتطوير جهاز الخدمات البلدية عامة.
لا بد من سؤال: هل تراجع الأحزاب من ساحة الحكم المحلي هو تطور ايجابي؟
الجواب ليس سهلا. المنطق ان تدير الأحزاب الحكم المحلي، بصفتها أجساما عامة لا تنتمي للعائلية أو الطائفية بل تمثل فكريا على الأقل كل شرائح المجتمع.. لكن من تجربتنا تبين ان الأحزاب عمقت العائلية وعمقت الطائفية وجعلت من الحكم المحلي أبواقا حزبية.
من هنا فشل الأحزاب وإفلاسها السياسي الذي ترك آثارا سلبية على الحكم المحلي، وكان لا بد من ظاهرة هامة سياسيا واجتماعيا وبلديا مثل ظاهرة علي سلام في الناصرة وآمل ان تكون تجربة الناصرة مع علي سلام طرحا لمفاهيم وأسس جديدة في النشاط البلدي للناصرة خاصة وللمجتمع العربي في إسرائيل عامة!!
وسوم: العدد 628