أطفال درعا شرارة الثورة
منذ فجر ولادتي حين خالط القمح قلبي و هو يرش حنين البوح على مسامع أوردتي .
استفاقت أناملي على ربيع يداعب النسيم و على جوانح أثير يملأ الكون فضاءات و أكواناً .. لكن الجوانح مهما امتدت تظل محاصرة بشباك الخوف والترهيب.
وتكبر الجوانح ويكبر معها القيد ويستحكم السجان، يريد لو يأسر الأثير عن أنوف الأحرار أو يسجن الضمير عن صوت الحقيقة.
عبثاً يقتل وعبثاً يأسر دون أن يجرؤ الضمير على مصافحة اللسان لينطق فكل ضمير تغريه العتمة بالتكلم فمصيره الموت أو سوط السجان.
تمضي عجلة الزمن ولا يزال السجان نائم على سرير من أشلاء مزخرف بالدم البريء و محفوف بالضمائر المعذبة.
لم تكن ترده عن غي أظفاره لعنات أرواح الشهداء بل كانت أظفاره تزيد توغلا في جروح أبنائهم، ثم تزداد دقات الزمن الأسود نبضا و أجنحته ألقا والسجان قابع في سجن طغيانه لا يدري أن ذاك الزمن يلد أجيالا ترتدي ضمائرها وتمضي.
خرجت الأجيال من قوقعة الماضي المهترأة تصافح ضمائرها السنابل الثائرة وتعانق أفئدتها أغصان الزيتون ،خرجت تنادي بحرية أطفال كانوا يلعبون ببراعم الربيع و بأجنحة الفراشات يرسمون عوالمهم؛ وقد خطفهم السجان من أحضان أحلامهم محاولا أن يسرق ألق الطفولة من عيونهم و يسرق القمح الذي أبى إلا أن يثور من بين أناملهم.
منذ الزمن الغابر لم يندهش المكان بأطفال تغتال براءة الربيع المحلق في قلوبهم ويشوه وجه الحلم المرتقب في عيون مستقبلهم.
ثم يخرج آباؤهم نازعين فتيل الخوف من ضمائرهم و قد عفا عليه الزمن..
وحناجرهم تحمل مشاعل الصوت الذي لطالما انطفأ طويلا في كهف الكبت القديم.
تأذت مسامع السجان من الأصوات الضمائرية فلم يجد سبيلا لردها إلا بإمطارها بوابل من الرصاص، عسى أن يعلو صوت الموت على أصوات الضمائر التي فاجئته بمزيد من العلو والسمو.
وفي لحظة دهشة مستبدة مزق ما لا يحصى من شرايين بريئة لأجساد طاهرة تختلف أعمارها والتي قدمت قربانا غاليا للجوانح المسلوبة.
كل هذا لم يثن سواعد الأحياء عن التحليق مجددا نصرة للدم البريء الذي يشتعل لينير الطريق المقفل نحو الحرية المدفونة.
عاد المستبد ليسفك المزيد من الدم ، فحلقت أرواح و على صدرها وسام شرف الأحرار حلقت لتكون النجوم الهادية إلى حيث الحقيقة الضائعة.
حاول المستبد إهانة البشر و تعذيبهم و هو يفتح صفحة عار في تاريخ الإنسانية لكنه جوبه بصمود هذه الأجساد و الضمائر العظيمة التي سيشهد لها التاريخ دوما بالعظمة والانبهار.
وسوم: العدد 628