تعاطي نظام الأسد مع قضية لاجئي سوريا
يبدو أن نظام الأسد قد وعى الدرس الصهيوني جيداً في «1948» بدأ احتلال فلسطين وبدأت معها عمليات التهجير القسري الممنهج للفلسطينيين فهبت دول الطوق العربي وغيرها من البلدان لفتح أبوابها لإستقبال لاجئي فلسطين الأشقاء ، فما كان إلا وأن تم تفريغ فلسطين من أهلها وتم توطين الصهاينة القادمين من وراء البحار وهذا ما كان يريده الكيان الصهيوني حينها وما تم لهم فعلاً. وهو ما تعمل عليه ايران اليوم في سوريا ، طرد وتهجيرالسوريين بالإرهاب والعنف ،واسنقدام مستوطنين ايرانيين بدلاً عن السوريين المهجرين.
ما هو المستجد الطارئ على خارطة اللجوء السوري حتى أطّرت وسائل إعلام النظام العامة والخاصة منها والمتحالفة معها ، بأن يفتحوا مساحة أوسع من البث للحديث عن معاناة اللاجئين السوريين في أوروبا وما جاور سوريا من البلدان ، رغم غياب أي ذكر لمأساة لجوء السوريين عبر البحر وغيره من سبل اللجوء ، إلى دول الأتحاد الأوربي، بعد أن ضاقت بهم دول الجوار السوري في «بيروت وعمان، واسطنبول « وغيرها من المدن.
لم تكن أزمة اللاجئين السوريين أزمة مستجدة ووليدة لحظة عابرة بل هي مشكلة قديمة ممتدة ، بدأت فصول مأساتها منذ أن قرر»بشارالأسد» شن حرب مفتوحة على الشعب السوري ، وتغول جيشه وحلفائه، على المناطق والمدن الثائرة ضد حكم عائلة الأسد ، وجمهورية العبيد التي حطم ثوار سوريا جدرانها.
تعامل نظام الأسد مع هذه القضية على ثلاثة مستويات.
في المستوى الأول ، كان التعامل الأمني هو المقدم على أي طرح آخر، وهو التعاطي الوحيد الذي يجده نظام الأسد ، فكانت الأوامر بقطع الاتصالات وطرد وسائل الإعلام، وإغلاق الحدود ، لمنع تسرب أي معلومات عما يدور في سوريا ورغبة في دفن الجريمه في مكانها دون شهود عليها ، كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي ، لذلك حاول منع خروج وفرار السوريين إلى دول الجوار.
رغم ذلك تمكن بعض السوريين من الفرار واللجوء إلى دول الجوار وتم استقبالهم في مخيمات ، فكان رد فعل النظام بأن هذه المخيمات وضعت مسبقاً وهدفها الضغط على سوريا ودعم المنظمات الإرهابية ، فكان أن قامت بعض وسائل الإعلام أن قابلت بعض اللاجئين الذين رغبوا في الحديث ، مما دفع إعلام النظام وحلفاءه إلى شن حملة تشويه للاجئين في تلك المخيمات ، منها عن تجارة المخدرات ونكاح الجهاد ، والإصابة بمرض الآيدز وزواج القاصرات ، وغيرها من الأكاذيب الملفقة التي اعتاد عليها الشعب السوري.
وفي هذه المرحلة دخلت إيران بقوه على الخط ، فكانت لديها خطة خبيثة ، خاصة مع تساقط قوات النظام وانهيار جيشه في كل الجبهات ، فعملت على تفريغ المناطق السورية لصالح توطين أشخاص بدلا عنهم يدينون بالولاء لإيران ، هذا ما شهدناه في كل من « يبرود ، والسيدة زينب ، والقصير « وأخيراً طفا على السطح بشكل علني المفاوضات التي جرت بين «أحرار الشام ، وإيران «حول تهجير أهل الزبداني بشكل كامل.
المرحلة الثانية كانت مرحلة اللامبالاة بقضية اللاجئين ، ومحاولة استثمارها في خلق فوضى وضغط على بلدان اللجوء ، وذلك بعد أن شاهد النظام عدم مبالاة المجتمع الدولي بهم وتحويل قضيتهم إلى قضية إغاثة ومساعدات انسانية فقط .
والشاهد على هذا هو تجاهل النظام قرار مجلس الأمن رقم « 2165» القاضي بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية دون أخذ موافقة النظام.
المرحلة الثالثة «مرحلة اللجوء إلى أوروبا». شهدت هذه المرحلة تدفق آلاف اللاجئين السوريين إلى أوروبا، عبر البحر المتوسط ، غرق خلالها آلاف اللاجئين الفارين من براميل الأسد ،وما نتج عنها من أزمة أخلاقية أوروبية أطرت معها القيادات الأوروبية لعقد عدد من الاجتماعات لوضع استراتيجية موحدة للتعامل مع هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرّق أوروبا ،ناهيك عن الخلافات داخل حكومات المنظومة الأوروبية ، والضغط الكبير على بعض دول المرور مثل «ايطاليا و اليونان «.
في الشهر الجاري بلغت ظاهرة اللجوء إلى أوروبا مبلغاً لم يعد ممكناً معه الصمت، والتجاهل وخاصة بعد نقل صورة الطفل الغريق «إيلان شنو» التي تناقلتها معظم وسائل الإعلام، وتظاهر من أجلها آلاف الأوروبيين للضغط على حكوماتهم.
هنا بدأت مشكلة النظام الحقيقية وأنقلب السحر على الساحر. النظام الذي أستغل عدم مبالاة المجتمع الدولي بأزمة اللاجئين الذي اكتفى بإصدار البيانات وتقديم المساعدات الإنسانية ، وجد نفسه أمام مواجهة حقيقية مع دول الاتحاد الأوروبي التي طرق تسونامي اللاجئين أبوابها بقوة ، وصرح العديد من القادة والساسة الأوروبيين أن حل مشكلة اللاجئين تكون بحل أساس المشكلة وهو نظام الأسد وإجرامه ، وهذا بيت القصيد ومربط الفرس ،لأول مرة يجد الأسد نفسة أمام تحرك أوروبي على خلفية اللاجئين إليها قد تقود إلى عملية ضغط أو مساهمة جدية لإنهاء الوضع القائم في سوريا ، الذي يعني بالضرورة «سقوط نظام الأسد».
لذلك شاهد الجميع الانقلاب الفعلي بوسائل الإعلام التابع لنظام الاسد ، وتباكيها على اللاجئين ودعوتهم للعودة إلى حضن الوطن.
السوريون من الذين وصلوا إلى بعض الدول العربية ، وجدو أنفسهم في سجن كبير حيث لم يتم منحهم إقامة ، أو تجديد إقامتهم مما عرقل حياتهم بشكل كامل.
باختصار مكثف، كان تعامل نظام الأسد وإعلامه على المبدأ الذي أقره بشارالأسد «سوريا لمن يدافع عنها «بالتالي من لم يدافع عن سوريا «الأسد» ليس سوريا ولا يستحق الحديث عنه، إلا إذا كان هناك خطرعلى كرسي النظام يمكن التنازل عن المبدأ.
ميسرة بكور
كاتب وباحث سياسي سوري
وسوم: العدد 633