قرّروا ما يحلو لهم باستثناء الصّحيح
جنون القوّة الذي يسيّر رئيس الحكومة الاسرائيليّة بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينيّة المتطرّفة، جعلهم يتّخذون قرارات عشوائيّة، فيها خرق للقانون الدّوليّ وللقانون الاسرائيليّ نفسه، في مواجهة ردّات الفعل الفلسطينيّة الشّعبيّة على سياسات حكومة نتنياهو في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في حرب حزيران 1967 بجوهرتها القدس الشّرقيّة، والتي من المفترض قيام الدّولة الفلسطينيّة العتيدة عليها. فقد اتّخذوا قرارات باطلاق يد الجيش والقوى الأمنيّة الاسرائيليّة والمستوطنين في الأراضي الفلسطينيّة، وأباحوا القتل الميدانيّ، وواصلوا السّماح للمتطرّفين اليهود باستباحة المسجد الأقصى ضمن تقسيم زمانيّ مدروس، واستدعوا وحدات من الاحتياط، وكثّفوا الوجود الشّرطي في القدس، وأعطوا تسهيلات للمدنيّين اليهود بحمل السّلاح. ووضعوا بوّابات الكترونيّة في حيّ الواد في القدس القديمة، وغيرها من الاجراءات المبنيّة على قواعد القوّة وقوّة الرّدع، وكثّفوا حملاتهم الاعلاميّة والدّبلوماسيّة حول ما يسمّونه "الارهاب الفلسطينيّ". ووصل عمى التعبئة المغلوطة درجة أن يقوم يهودي بطعن يهوديّ آخر في شمال اسرائيل ظنّا منه أنّه عربيّ. ويدرسون حصار البلدات العربيّة داخل حدود بلديّة القدس، وغيرها من اجراءات البطش العشوائيّة.
لكنّهم لم يكلّفوا أنفسهم بالبحث عن أسباب ما يجري! وبالتّالي لم ولن يبحثوا في الحلول الصّحيحة التي ستوقف شلالات الدّم، وانتهاك حقوق الانسان وفي مقدمتها حقه في الحياة. فالسّبب هو استمرار الاحتلال، واستمرار مصادرة الأراضي الفلسطينيّة واستيطانها، واستباحة المسجد الأقصى وتقسيم الضفّة الغربيّة إلى جزر أشبه ما تكون بالسّجون الكبيرة المحاطة بالمستوطنات من كلّ الجوانب. فنتنياهو وحكومته من المؤمنين بما يسمّونه"أرض اسرائيل الكاملة" والتي تتعدّى حدود فلسطين التّاريخيّة لتطلّ على الصحراء العربيّة، والمقصود الجزيرة العربية، وهذا ما ذكره نتنياهو في كتابه"aplase between nations " الذي صدر في بداية تسعينات القرن الماضي وترجم إلى العربية تحت عنوان" مكان تحت الشّمس" وبالتّالي فهم لا يعترفون بحلّ الدّولتين، ولا يعترفون بأنّهم يحتلّون أرض الغير، بل يعتبرون أنفسهم "محرّرين لأرض اسرائيل" وقد استغلّ نتنياهو المفاوضات مع السّلطة الفلسطينيّة لفرض حقائق ديموغرافيّة على الأرض من خلال الاستيطان المكثّف. ولم يقدّم أيّة تنازلات على أرض الواقع، وفي أحسن الأحوال لن يقدّم للفلسطينيّين سوى ادارة محليّة على السّكان لا على الأرض، مع تسهيلات القتصاديّة، وقد استطاع نتنياهو أن يتحدّى ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكثر من مرّة، وأجبر باراك على التّراجع عمّا طرحه في خطابه في جامعتي القاهرة وبار ايلان عام 2008 بخصوص الاستيطان وحقوق الشّعب الفلسطينيّ، وتراجع الادارة الأمريكيّة عن رؤيتها لتحقيق السّلام العادل والدّائم في المنطقة، شجّع نتنياهو على مواصلة سياسته الاستيطانيّة، ومنعه الشعب الفلسطينيّ من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة، وما موافقته الاعلامية على حلّ الدّولتين إلا من باب العلاقات العامّة. وقد سبق له أن صرّح في لحظة صدق مع الذّات ومع ناخبيه أنّه "لن تقوم دولة فلسطينيّة ما دام رئيسا للحكومة".
ومن هنا وحقنا للدّماء وحفاظا على دول المنطقة وشعوبها، وعلى السّلم العالميّ فإنّ الرّأي العام العالمي ممثّلا بالدّول ذات النّفوذ وعلى رأسها الدّول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدّوليّ، مطالبة بالتدخّل الفوري لتوفير الحماية للشعب الفلسطينيّ، والضّغط على الحكومة الاسرائيليّة لتنفيذ قرارات الشّرعيّة الدّوليّة بخصوص الصّراع الشّرق أوسطي، ووضع جدول زمني للانسحاب الاسرائيلي من المناطق المحتلة في حرب حزيران 1967، وتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس. واذا ما تحقق ذلك فإنّه لن تبقى دواعي لأيّة أعمال عنف. وستنعم دول وشعوب المنطقة بالسّلام والرّخاء. أمّا الاعتماد على القوّة فلن يجلب إلا الويلات للجميع. وواهم من يعتقد أنّ الشّعب الفلسطينيّ سيرضخ للاحتلال إلى ما لا نهاية. وأيّ تأجيل للحلول العادلة لن يحقق سوى مزيد من التطرّف ليس على الأراضي الفلسطينيّة فحسب، بل سيتعدّاها إلى دول المنطقة، وما ظهور داعش وأخواتها إلا جرس انذار للمتمترسين خلف القوّة العسكريّة، ولغير المبالين لما يجري.
وسوم: 637