نوروز الكورد
لعل الامر يختلف حين نقرأ عنوانا بهذه المباشرة وهذا التوجيه، فنوروز بالنسبة لنا الكورد مختلف لكونه لايمثل رأس السنة الكوردية( 2716) فحسب.. انما يمثل امتداد لسلسلة مناسبات واحداث توالت وتجذرت تاريخياً في عقول واذهان كل فرد من ابناء كوردستان، واصبحت نقطة انطلاق لكتابة التاريخ الكوردي سواء من حيث الجذور التاريخية، ام من حيث المتحولات على جميع الاصعدة والمستويات السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك.
من هذا المنطلق اريد ان اكتب عن نوروز الكورد بعيداً عن التأصيلات التاريخية النابعة بعضها من التصورات الميثولوجية والاسطورية .. وبعضها من المتجذرات القومية الانتمائية، واخرى من الحدثية الاستداركية والاخيرة من الاستقراءات الممكنة ضمن منظومة تهتم بالكورد ككيان مستقل وشعب له تجذراته التاريخية.. ووفق هذه التداعيات والمعطيات تنطلق المقولات الكوردية وغير الكوردية حول ماهية " عيد نوروز " بدأً من انهاء سلسلة الظلم التاريخية ، ومروراً بالاسطورة كاوه، ووصولاً بقدسية النار الزرادشتية التي تؤكد استمرارية الحدث التاريخي المتصل بالكورد، ووقوفاً عند محطات نوروز في التاريخ الحديث والمعاصر، لما له من انتاجات حدثية تأصيلية للمسيرة الكوردية عبر الازمنة التأريخية ولما له من دور بارز في احداث النقلة الايجابية للتاريخ الكوردي، وايصال الصوت الكوردي الى مستويات لم يكن قبلها قد وصله جراء السياسات التعسفية التي تبنتها الانظمة التي حكمت المنطقة سواء من خلال الدوائر الانتمائية القومية او الدينية.
وانطلاقاً من هذه التجذرات التاريخية المتصاعدة اردنا ان نتحدث عن نوروز الكورد بكونه المفتاح للدخول الى المنظومة الكوردية التي تمجد الانسان الكوردي من حيث البدء والاستمرارية والمستقبل، لانه لايمكن معرفة تأريخ الكورد اذا لم يتم التعرف الى التجذرات التاريخية لماهية نوروز العيد والحقائق التي يمكن استنباطاتها من الحدثية الاسطورية والكيفية التي تواصلت وتناقلت الرؤية من خلالها حتى وصلت الينا بهذه الصورة الاجمالية التي نعيشها الان، فنوروز ليس عندنا ككورد مجرد اسطورة نتناولها عن ملك ظالم وحداد متمرد ثوري استطاع من انهاء ظلم الظالم واشعل النار كرمز للحرية، لكن الحدث برمته، امتداد لمقولات تاريخية وحدثية كوردية سبقت ذلك، لاسيما فيما يتعلق بالوضع السياسي الكوردي المجزء انذاك بين الامتدادت الاثنية والعرقية والقومية والدينية، وبين الصراعات التي كانت قائمة انذاك وكنا نحن الكورد وكوردستان ساحة لها، ومنذ ذلك التاريخ دفعنا ضريبة وجودنا بين هذه الخرافات القومية الاثنية والدينية والحضارية ايضاً.. ولم نزل نعاني من تبعياتها ووجودها المضر للانسانية عموما وليس لنا فقط.
ان التلازمية التاريخية التي فرضت علينا جعلتنا نتوق الى ممرات يمكننا من خلالها ان ننفذ الى افاق ابعد من حيث تلك التي وجدت وفرضت علينا، واجبرنا على البقاء ضمن دوائرها... ونوروز تعد من احدى اهم المنافذ التي آمن الكورد بها، لكونها لم تفتح الافاق فقط انما اعطت ملكة الاستمرارية للسابق، وربطته بالاتي.. وجعلت الانسان الكوردي داخل كوردستان ينتظر الشهر واليوم والتاريخ هذا كي ينطلق من اجل سطر مجد تاريخي اخر يضاف الى السابق، فنوروز كما سبق وان اسلفت ليس مجرد تغيير لتاريخية وزمنية، انما هو تاصيل جذري لحدثية قائمة تستمد رسوخها من القديم... لتتفاعل مع الحاضر المستنير، والمنطلق بقوة نحو افاق عالمية بعمق ايديولوجي وسياسي واجتماعي واقتصادي وعسكري متقد.. وحضور لافت على جميع الاصعدة الاخرى التي من خلالها تم رسم الصورة الكوردية المنساقة من التلاحم والتقارب والتعارف والتشارك والتواصل الحي والمباشر مع المجتمعات الاخرى، بعيداً عن الفرضيات والايديولوجيات العرقية الشوفينية السابقة التي شوهت الصورة الكوردية بنظر الاخرين لكونهم انذاك كانوا المتسيدين على الوضع والمكممين لافواه الكورد، والمقيدين بالسلاسل لحريات الكورد.
ان الصورة التي تحققت من خلال الحقائق النوروزية الحديثة والمعاصرة اوجبتها الحركية الفكرية والسياسية والعسكرية الكوردية في كوردستان ككل، على الرغم من وجود التحزب والصراعات الحزبية داخل المناطق الكوردية لكنها هي الاخرى في حد ذاتها تأصيل للقيم الكوردية التي تناضل من اجل الوصول الى الارقى، حتى وان بدت للاخرين بانها نعرات وتنافر وحرب داخلية، لكنها لاتخلوا من كونها الفوضى الخلاقة التي استفادت من تجاربها السابقة ولم تنجرف رغم شدتها في احيان كثيرة الى مجريات الدم والاقتتال.. ونوروز واذار هما الرافد القويم لهذه التقويمية الكوردية الصريحة والمبشرة بالخير، والنضوج ، وحين يتحرك كل كوردي في بقعة من الارض في هذا الشهر ليقول ولو كلمة.. او ينشر صورة.. او يخلد اسم، فانه بذلك يشارك في بناء القيم التواصلية والاستمرارية للتاريخية الكوردية ضمن النطاق الاجمالي، وذلك لأن الكلمة تؤرخ ماسبق، وتمد الان بالروح، وتعلن عن ممرات للمستقبل، تنفذ من خلالها الحراكات الكوردية كي تحقق رغبتها في الاستقلال ذات يوم، حتى وان طال الامد، وكثرت الذئاب التي تحوم حولنا من كل صوب وجهة والتي تحاول بشتى الطرق التكاتف والاتحاد من اجل خنق الحلم الكوردي، لكنها الروح التي تستمد قوتها من اذار ونوروز، والتي تريد ان تسطر في التاريخ الحديث اسطورة اخرى خالدة.. كالتي يسطرها ابناء كوردستان في كل بقاعها، لاسيما في حربهم الضروس ضد الالة الشوفينية التعصبية القومية للحكومات المتسلطة من جهة، ومايسطره ابناء كوردستان من البيشمركة والمقاتلين الكورد( نساء ورجال) في تصديهم البطولي للارهاب الداعشي.. بحيث اصبحت بطولاتهم ملاحم من ذهب تضاف في سيرة اذار ونوروز .
وسوم: العدد 660