الجنود الاسرائيليون ضحايا
من خلال وجودنا تحت الاحتلال الاسرائيليّ الهمجيّ مدة تصل إلى تسعة وأربعين عاما، منذ احتلال اسرائيل لأراضي دولة فلسطين العتيدة بعاصمتها القدس الشريف في حرب حزيران 1967، فإنّنا نشهد أمام الله والتّاريخ أنّ قوى الأمن الاسرائيلي من جيش وشرطة ومخابرات وغيرها، نظاميّة وتلتزم بأوامر قياداتها العسكريّة والسّياسيّة، وأنّ الشعب الاسرائيليّ ضحيّة للفكر والتّربية الصهيونيّة، القائمة على زرع الخوف في نفوسهم، وتعبأتهم بالفكر العنصريّ والدّيني المتطرّف، الذي لا يقيم وزنا لحياة غير اليهود، ولا لكرامتهم ولا لانسانيّتهم، وما الحديث عن الدّيموقراطيّة الاسرائيليّة، بعيدا عن فكر وديموقراطيّة البيض الأوروبيّين عندما غزو القارّة الأمريكيّة، وأبادوا الملايين من مواطنيها الأصليّين "الهنود الحمر".
أمّا قوى الأمن الاسرائيليّة بما فيها الجيش فهي قوّات نظاميّة منضبطة تنفّذ أوامر قياداتها السّياسيّة بشكل دقيق، وعندما تصدر لها الأوامر بتسهيل عمليّات القتل، فقد كان ذلك بأوامر معلنة وعلى رؤوس الأشهاد في وسائل الاعلام. ومقتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في الخليل قبل أيّام وهو فاقد للوعي، ولا يشكل خطرا على أحد، ليس الأوّل ولن يكون الأخير، وما الجنديّ القاتل إلا ضحيّة للأوامر التي يتلقاها، وما اعتقاله والتحقيق معه إلا من باب العلاقات العامّة أمام الرّأي العام العالميّ، لأنّ الجريمة جرى تصويرها، وسيطلق سراحه لاحقا بهدوء ودون ضجيج اعلاميّ. فقد جرى قبله عمليّات قتل لفلسطينيّين مدنيّين بمن فيهم أطفال بدم بارد، لمجرّد أنّهم يحملون سكينا أو مقصّا كما جرى مع احدى الطفلات.
وعمليّات القتل صدرت أوامر بتنفيذها من الحكومة الاسرائيليّة منذ بدايات الهبّة الحاليّة في اكتوبر الماضي، بعد أن ثبت للأجهزة الأمنيّة الاسرائيليّة أنّها عمليّات فرديّة، لا تقف وراءها تنظيمات، ولو كانت وراءها تنظيمات لما صدرت الأوامر بالقتل، لأنّ الاعتقال قد يفيد من خلال الاعتراف عن شبكات منظّمة.
وما عربدة المستوطنين تحت حماية الجيش الاسرائيليّ إلا بناء على أوامر عليا من القيادة السّياسيّة أيضا، التي تسابق الزّمن لوضع العالم أمام سياسة الأمر الواقع من خلال ترسيخ الاستيطان، وايجاد خلل ديموغرافي استيطاني يمنع حتما اقامة الدولة الفلسطينيّة، بل ويقسّم الأراضي الفلسطينيّة إلى كانتونات مجزّأة ومتباعدة ومقطّعة الأوصال.
وما تصرّف سائق سيّارة الاسعاف الاسرائيليّة في قضيّة الشّريف الذي طالب بقتله كما ظهر في الصّورة والصّوت إلا نتاج لتربية القتل، والتّحريض العنصريّ، التي تربّى عليها السّائق.
وما كانت الحكومة الاسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة بقيادة نتنياهو، والتي قضت على حلّ الدّولتين، لتجرؤ على مواصلة جرائمها لولا الدّعم الأمريكيّ اللامحدود لها، في الأحوال كلّها، مقرونا بالتّخاذل العربيّ الرّسميّ، وما يجري في دول المنطقة من اقتتال وتدمير داخليّ.
إن استمراريّة الاحتلال الاسرائيلي لأراضي الدّولة الفلسطينيّة العتيدة ليس المسؤول عن أعمال العنف في المنطقة فحسب، بل يتعدّاها إلى دول أخرى خارج الاقليم، ممّا يهدّد السّلم العالميّ، وبالتّالي فإن لجم التطرّف الاسرائيلي مسؤوليّة عالمية، وإذا لم ينته هذا الاحتلال، فإنّ العنف سيبقى سيفا مسلّطا على رقاب شعوب المنطقة بما فيها الشّعب الاسرائيلي نفسه.
وسوم: العدد 661