التحليل الحقيقي للتطورات الأخيرة في تركيا

تتوضع الأحداث التي تجري في هذه الحياة على شكل هرم .. فالذي يجلس في القاع .. وينظر إلى الجانب الذي هو واقف فيه .. سيرى ما يحدث في هذا الجانب فقط .. ويفسره حسب هذه الرؤية المحدودة .. بينما ما يحدث في بقية الجوانب الأخرى .. لن يستطيع أن يراها ..

وبما  أن  معظم الذين يكتبون في وسائل الإعلام المختلفة .. عبارة عن كتبة .. حرفتهم .. ومهنتهمالكتابة ..

وهم موظفون يسترزقون ..ويتعيشون من وراء الكتابة اليومية.. أو الأسبوعية ..

ولذلك هم دائماً جالسون في القاع .. بجانب أحد جوانب الهرم .. فيكتبون .. ويحللون ما يشاهدونه من هذا الجانب .. لأنه ليس لديهم الوقت  للصعود إلى قمة الهرم ..

علاوة على أنه ليس لديهم الرغبة .. أو العقيدة التي تدفعهم إلى الوقوف على قمة الهرم .. والنظر إلى جميع أضلاعه وسطوحه .. والإحاطة بما يحدث عندها من أحداث ..

فهم يكتفون بما هو مطلوب منهم أن يكتبوا ..

ولهذا كانت كل الكتابات التي تناولت موضوع استقالة .. أو إقالة السيد أغلو .. تركِز على جانب واحد .. وهو تمجيد شخصه .. والثناء عليه بشكل مفرط .. واعتبرته أنه كان ناجحاً بشكل متميز .. وكأنه شخص ملهم .. وبعضها تعرض للخلاف الإداري الشخصي ، بينه وبين السيد أردوغان .. ولم يُعر بقية الجوانب أي اهتمام ..

ولهذا وجدتني مدفوعاً .. إلى الحديث عن هذا الموضوع الهام جداً بلغة .. وبرؤية .. وتفكير مختلف كل الإختلاف .. عما تعرض له كتبة الإعلام ..

وذلك لأنني أكتب – وأنا الطبيب الجراح – من منطلق الألم .. واللوعة .. والحرقة التي تعتصر قلبي على شعبي .. الذي يقف وحيداً .. فريداً أمام وحوش غابات الأرض كلها ..

ومن منطلق الحمية .. والعقيدة التي تفرض علي .. أن أدافع عن شعبي المكلوم .. المهجَر ..

ومن منطلق أني أقف على قمة الهرم .. وأرى كل ما يحدث في القاع من جميع جوانبه ..

علاوة على أن كل الكتبة .. تراهم يهتمون بالأسباب البشرية للأحداث  .. وينسون  .. أو  يتناسون أن هناك رباً عظيماً .. حكيما .. هو الذي يرتب أحداث الدنيا .. من خلال تصرفات العبيد ... ويفرضها رغم أنف العبيد ..

بادئ ذي بدئ يتوجب علينا .. أن نقر لأهل الفضل فضلهم ..

إني أقف احتراماً .. وإجلالاً .. وإكباراً .. لهذا التصرف الرائع .. المبهر للسيد أوغلو .. في تعاليه على الألم .. وكظمه لغيظه .. نتيجة إقالته .. بعد أن كان ملأ السمع والبصر .. وترفعه على الأنا .. وإيثاره الحرص على المحافظة .. على صداقه رفيق دربه .. والحرص على مصلحة حزبه .. وتفضيلها على مصلحته الشخصية ..

وأتساءل هنا : هل هذه الصفات الطيبة .. هي سجية خاصة بأوغلو .. أم هي سجية الشعب التركي ؟؟؟!!!

لأنه سبق أن تم إبعاد رئيس الجمهورية السابق غول .. بكل هدوء .. وسكينة .. ولم يحدث أي تمرد .. أو انشقاق أو تصدع في بنية الحزب .. وهذا عكس ما يحصل في الأحزاب والجماعات الإسلامية العربية .. التي تتمزق .. وتفتت بمجرد إبعاد شخص .. كان في القمة عن القمة !!!

نأتي الآن إلى السبب الحقيقي وراء أحداث تركيا ...

أعتقد جازماً أن السبب الرباني كان .. هو المسيطر .. والمهيمن على المشهد التركي .. مع عدم إغفال السبب البشري .. ولكن الأول هو الغالب ...

( وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )    يوسف 21

والسطور التالية تؤكد صحة هذا الإعتقاد ..

السيد أحمد أوغلو ارتكب أخطاءً كارثية عديدة .. بحق الشعب السوري .. وبحق الأمن التركي الوطني .. والقومي .. وعرض تركيا لأخطار جسيمة ...

أولى تلك الأخطاء : قيامه بزيارة إيران .. وما أدراك ما إيران .. الدولة العدوة .. اللدودة قديماً وحديثاً للشعب السوري والتركي .. بشكل خاص الخاص .. لما تحمل هذه الدولة الآبقة .. المارقة من حقد دفين .. وبغض شديد لأجداد الشعب السوري .. الأمويين .. وأجداد الشعب التركي .. العثمانيين ..

لأن الأولين مزقوا ملك كسرى شر ممزق .. والآخرين أخرجوهم من العراق .. بعد أن سيطروا عليها  وعاثوا فيها فساداً .. مستغلين تقدم المسلمين في أوربا .. ووصولهم إلى أسوار فيينا .. فطعونهم في ظهرهم .. وسيطروا على العراق .. مما اضطر قائدهم العظيم سليمان القانوني .. أن يرجع إلى العراق .. ويدحرهم منها .. ويطاردهم .. ويدخل عاصمتهم تبريز ...

أحمد أوغلو الملهم .. يزور إيران .. ويعقد معها صفقات تجارية بمليارات الدولارات .. وهو يراها بعينه تقتل .. وتحرق إخوانه على بعد أمتار من حدود بلاده .. ولا يرف له جفن ..

بل وتدعم عدوده اللدود .. حزب العمال الكردستاني .. وتنشئ له دويلة قريبا من حدود بلاده .. ولا يرف له جفن ..

بل أعلن أنه لن يسمح .. بسقوط عفرين في يد القوات الكردية المعادية .. وسقطت عفرين .. ولم يرف له جفن ..

كيف طابت نفسه .. وكيف ارتاح ضميره .. للتعاون مع عدوه الحاقد .. اللدود ؟؟؟!!!

وهذا ما دفعني حينما سمعت هذا الخبر المفجع .. الحزين .. فبكيت بكاءً مراً .. وقمت في جوف الليل .. ووقفت أمام عالم الأسرار .. ورفعت كفاي إلى خالق السموات والأرض وقلت : منتحباً يارب العالمين تكالبت علينا وحوش الأرض من كل مكان  .. تنهش لحومنا .. وتمص دماءنا .. وهؤلاء جيراننا لا يكتفون بأنهم عاجزون عن الدفاع عنا .. بل يتعاونون مع قاتلينا .. ويقوون اقتصادهم ليزدادوا قوة علينا .. اللهم جازي من يدعمهم بما يستحق ..

ومن يومها أحسست إحساساً داخلياً .. أن أيام أوغلو أصبحت قليلة .. وسيغادر الوزارة قريباً ..

ولذلك لم يفاجئني خبر إقالته .. كما فاجأ كل الناس .. وكل كتبة الإعلام ..

بل كنت أتوقعه في كل لحظة .. بالرغم من أني ما كنت أعلم الغيب .. ولا أعلم ما يجري وراء الكواليس ..

الخطأ الثاني : زياراته المكوكية المتكررة إلى الإتحاد الأوروبي .. وعقده صفقات تبادل اللاجئين .. التي ضجت لها منظمات حقوق الإنسان .. واستنكرتها .. لما فيها من استهانة بالكرامة الإنسانية .. واستخدام البشر كأنهم قطيع من الماشية ..

كل ذلك إرضاء لأوربا لكي توافق .. وتتكرم .. وتتعطف بأن تسمح للأتراك .. بدخول أراضيها بدون تأشيرة ..

ولكنها مع ذلك .. لم ترضى .. ولن ترضى .. بل تمادت في الغطرسة والعنجهية .. وطالبت الحكومة التركية بكل صفاقة .. وبجاحة .. أن تغير من قوانينها .. لكي ترضى عنها .

فكان الرد الحاسم .. الحازم للسيد أردوغان الحكيم .. العزيز النفس :

لن نغير  ولن نبدل في قوانيننا .. فإن لم ترضوا .. فلكم طريقكم .. ولنا طريقنا ..

الخطأ الثالث : قيامه بفرض تأشيرة على السوريين المعذبين .. المضطهدين .. المطاردين .. الملاحقين .. المشتتين .. استجابة لأوامر الإتحاد الأوروبي .. للتضييق عليهم .. ومنعهم من الدخول إلى تركيا .. التي أصبحت هي الملجأ الوحيد أمام السوريين .. بعد أن أغلقت كل البلدان العربية أبوابها في وجوههم ..

بل بعض البلاد العربية .. الهمجية .. المتوحشة .. لم تكتف بإغلاق الأبواب أمامهم .. ومنعهم من دخول أراضيها ..

بل أخذت تطرد المقيمين على أراضيها .. منذ عشرات السنين .. تحسباً .. وخوفاً .. من انتقال فيروس الحرية .. القاتل للطواغيت .. إلى أراضيها .. وإصابة شعبها به ..

وسوم: العدد 668