استفتاء بريطانيا.. حرية الاختيار، واحترام الاختيار
الانتخابات علامة فارقة تعرف من خلالها المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة. والانتخابات. ومنها الانتخابات البريطانية التي صوتت لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوربي، ومنها..
نسبة الانفصال 51.3%، ونسبة الانضمام 48.7% . وهو فارق قليل جدا يكاد لا يذكر، لكن الجميع إحترمه وخضع له وأقرّ به على الأشهاد ، وهو راض غير مكره، وفرح غير حزين. فالانتخابات قبل أن تكون أرقام ونسب، هي أصوات لإنسان محترم ، حرمة صوته كحرمة عرضه ودمه.
وهم يختلفون ويتصارعون حول بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوربي، أو الخروج منه، في جو كله منافسة شريفة شرسة بيضاء. وكل طرف يقدم ما يراه مناسبا لدعم ما يراه مناسبا لما أقبل عليه، ويدحض ويبطل ماذهب إليه منافسه لكن لم يتهم أحدهم خصمه بالتعاون مع عدو، أو التخابر مع عميل غربي كان أو عربي، أو فارسي، أو تركي.
ولاة الأمر في بريطانيا من ملكة ، ورئيس الوزراء وحكومته، طلبوا من مجتمعهم، الانتخاب لأجل البقاء في الاتحاد الأوربي.
والرعية إنتخبت ضد إرادة ولي الأمر ، الذي تحترمه كثيرا ، واختارت الاتفصال. ولم يتهمهم أحد بالخروج عن ولي الأمر. فالاختلاف كذلك يندرج ضمن طاعة ولي الأمر. والاختلاف وجه من أوجه الاحترام والتقدير.
وسيظل سكان بريطانيا العظمى يكنون كامل الاحترام لولي الأمر، سواء الذين رضوا الانفصال وخالفوا ولي أمرهم الذي يحبونه كثيرا ويقدرونه أكثر، أو الذين تشبثوا بالاتحاد الأوربي، كما كان يرغب ولي الأمر.
المعروف عن لقب بريطانيا العظمى أطلق على بريطانيا، لأن الشمس لا تغيب عنها، لمساحتها الممتدة بفضل مستعمراتها الكثيرة. التي استولت عليها في غفلة من أهلها، وحينا من الدهر. لكن طريقة استفتاء البريطانيين، واحترامهم لنتائج الصندوق الشفاف، جعل من بريطانيا..
أهل للقب بريطانيا العظمى، لأنها تحترم إرادة شعبها في الاختيار، حتى لو كان مناقضا لرأي ولاة الأمر من ملكة، ورئيس حكومة، وقائد أركان.
وعظيمة لأن رئيس الوزراء البريطاني كامرون، سيستقيل من منصبه، لأنه فشل في تحقيق ما كان يرجوه ويتمناه.
فالكبار هناك يستقيلون حين يعجزون، ويستقيلون لأنهم يحترمون الإنسان، ويحترمون صوت الإنسان.
تكمن عظمة المجتمعات الراقية في حرية الاختيار السائدة بين أفرادها، واحترام الاختيار.
وسوم: العدد 674