مسرح الشرق الاوسط مستمر
يعتبر الشرق الاوسط من احدى اهم المناطق التي تبرز فيه الادوار البطولية بين فينة واخرى، وذلك ضمن سياقات تاريخية حدثية تبدو في صياغاتها وسيناريوهاتها اشبه بالمسرحيات القديمة المعتمدة على الالهة والاسطوريات والابطال الخوارق، لتنافس بذلك تاريخ المسرح الاغريقي بكل تمفصلاته الميثولوجية والاسطورية والخرافية وحتى البشرية الواقعية، وما تمر به المنطقة الان ليس الا جزء من فصول مسرحية متوالية ومتتالية يمثل ادوراها احياناً الدول بايديولوجياتها ومذاهبها وطوائفها، واحيانا الجماعات الارهابية كداعش والنصرة والقاعدة، واحيانا الشخصيات كرؤوساء بعض الدول في المنطقة.
وليس بمخفي على من يتابع الحدث التاريخي ضمن سياقاته الترابطية والوحدوية، ان الاحداث المؤثرة في صياغات الرؤية من جهة وعلى سياقات الحدث الدرامي المسرحي من جهة اخرى لم تنقطع تاريخياً في المنطقة، بل انها تزداد يوما بعد يوم وتخرج في كل مرة برداء جديد سواء أكان الرداء مصنوع محلياً، او مستورد وفق تداعيات التحالف والتشارك المصلحوي السياسي والاقتصادي وفي نطاق ضيق الاجتماعي، وهذه الاحداث برمتها وتنوعها واختلافاتها السياسية والايديولوجية والدينية والمذهبية تخلق دائما نمطاً درامياً مغايراً للاخر، ولكن النتائج في كل الاحوال تصب في مصلحة الساسة على حساب الشعوب.
وليس بغريب ان نجد في منطقة الشرق الاوسط ظهور الجماعات الارهابية، او انتشار الصراعات القبلية والمذهبية والطائفية، وكذلك دخول الدول في حروب شرسة ضد بعضها، وحتى الحروب الاهلية بين ابناء البلد الواحد، ومن ثم انتشار ظاهرة الانقلابات العسكرية وحتى الثورات ضد السلطات المحلية والحكام الطغاة لخلق طغاة جدد، وهذا بالضبط ما يجعل من مسرح الشرق الاوسط الاكثر حركية من حيث كثرت الادوار وكثرت المشاركين في التمثيل ومن حيث كثرت المشاهدات سواء ضمن نطاقات العالمي الرقمي او ضمن النطاق البث المباشر والحي، وما يثير الدهشة دائما هو وجود المبرر لكل فعل ولكل حدث في المنطقة، سواء من قبل اصحاب الفعل التمردي المعادي للحكومات" الثوار" او" الانقلابيين"، او من قبل الحكومات التي تصد بعنف تمردات شعوبها وخروجها على سلطانها وسلطاتها، وحتى من قبل الجماعات الارهابية التي تؤدي دوراً رائداً في الاحداث لاسيما في الاونة الاخيرة بحيث تعتبر هذه الجماعات هي المحرك الاساس لكل الفعاليات الشرق الاوسطية والتي تتنامى بشكل فعال ومؤثر وبدأت تساق تجربتها الارهابية بتنوعها وتجددها الى العالم الغربي كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا.
ان التبرير هو الاساس لكل فعل دموي شرق اوسطي، ولايوجد اطلاقا اي منطق انساني او ديني او علمي لاي فعل دموي هنا، ولكن يوجد فقط المبررات التي يتخذ منها هذه الجماعات والتيارات وتلك الحكومات وهولاء الشعوب، كي تُقِدمَ على افعالها، وتحركاتها، وتلك التبريرات لاتنم الا عن نقص حاد في الوعي البشري التشاركي" قبول الاخر" من جهة، ونقص حاد في ادراك المفاهيم وتسخير المصطلحات لخلق عالم سلمي بعيد عن الصراعات والالتحامات الدموية والفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية ايضاً.
وحتى حين خرجت الشعوب ضد حكامها الطغاة لم تستطع ان تحافظ على نقاء شعاراتها، بل انغمست في حرب دموية اهلية افجعت الانسانية بنفسها، وتركت اثاراً لايمكن للتاريخ ان يتجاهلها ابداً، ولم تتوقف الامور عند ذلك الحد، بل تفشى القتل والدمار في كل الاماكن، واستغل البعض الوضع كي يحولوا المنطقة الى بؤرة صراع مذهبي ديني ايديولوجي سياسي فضيع، وبالتالي انقطعت الاواصر الانسانية بين الفرد ومجتمعه والمجتمع وحكومته، وهذا الانقطاع خلق بالتالي نوعا من الانفصام لدي الشعوب تجاه حكوماتها، وتحولت الحكومات الى ادوات تدميرية تمحي كل عائق وكل من يقف بطريقها، وهكذا تفسخت العلاقات داخل البلد الواحد، وحتى ان ظهرت احيانا بمظهر الوحدة، الا ان الامر لايعد سوى مرحلة مؤقتة او لنقل قنبلة موقوتة تحتاج فقط الى محرك كي تنفجر.
ولعل الامر لايحتاج الى ان نرد الكثير من الامثلة، فكل من تونس وليبيا ومصر والعراق وسوريا والبحرين واليمن وتركيا ايضا خير دليل على ما نقول ولكن يبقى هناك شيء لابد من ذكره، وهو ما يتعلق بالوعي الوحدوي لدى الشعوب ومدى توافقها مع الحكومات.. ففي تونس مثلا كانت الجموع الشعبية موجهة ضد الحكام، ولكن ما ان تغيرت الحكومة حتى بدأ الصراع الداخلي، لكنه لم يتحول الى صراع دموي، انما بقي سياسياً، الا ان المنطقة لم تشهد تكرار تلك التجربة ففي مصر بدأت الصراعات المذهبية والفكرية والدينية لاسيما بين العلمانيين والاسلاميين، وظهور نعرات قبطية، وفي ليبيا تحول اسقاط الحكومة الى حرب اهلية شرسة، وفي البحرين لم تزل النعرات المذهبية قائمة، وفي اليمن تحولت الحرب ضد السلطة الى مجازر دموية بين ابناء الشعب اليمني وذلك وفق اجندات خارجية مذهبية دينية خالصة، وفي العراق وسوريا تكررت التجربة نفسها فضلا عن ظهور عدو اخر شرس دموي " داعش " ، وعلى هذا المنوال ظل المسرح الشرق اوسطي مكتظاً بالاحداث والممثلين من جميع المذاهب والايديولوجيات فضلا عن استقطابه ممثلين على المستوى العالمي من انحاء اوربا وامريكا وحتى من دول الشرق الاقصى كي يساهموا وبمستويات متفاوتة في صياغة الاحداث الشرق اوسطية.
ولعل الحدث الاكثر بروزاً هو الانقلاب العسكري التركي الذي لم يعمر طويلاً، وبعيداً عن التكهنات والتبريرات الانقلابية والتبريرات الحكومية السلطوية فان الحراك الاكثر وعياً شعبياً ظهر في تركياً، حيث ان اغلب الدول الاخرى حاولت ان تسكت الجموع بالسلاح، الا ان السلطات التركية اسكتت الدبابات والاسلحة الانقلابية بالشعب، الذي ظهر في موقف فريد وحدوي ضد الانقلابيين وافشل محاولتهم التي لم تدم سوى ساعات، ولكن ذلك ايضا لم يتم الا بعد اراقة الكثير من الدماء كردة فعل عنيفة ضد التوجهات الانقلابية والمؤسسة العسكرية، فكانت الصور تبث من الجانبين تبين مدى العنف المستخدم من الطرفين.. بالاخص من اتباع السلطة الشعب الذي وقف بوجه الانقلاب حيث بالغ كثيرا في استخدام العنف ضد الجنود الذين لم يكونوا يمتلكون ادنى مقومات الحماية، وبذلك يمكن ان نختم فصلاً اخراً من فصول المسرح الشرق اوسطي.. على انه لن يكون الفصل الاخير والنهائي.. لان الاحدث لم تزل مستمرة على زوايا اخرى من خشبة المسرح.
وسوم: العدد 677