عبق ورحيق من الامس ...
ونواصل تذكار سيرالقدامى من معلمى اللغة العربية والتربية الاسلامية الذين كان منهم من لا تكتمل الاحاديث عن الوادى الاخضر الآ بتذكارسيرهم فيها.. من بينهم كان شيخان جليلان لكل منهما حضوره المتفرّد فى ارجاء الصرح العظيم..الشيخ احمد المصطفى الطاهر سيرته فى وادى سيدنا تواصلت منذ ان اعتلى رئاسة شعبة التربية الاسلامية فيها سنين عددا وظلت تتجدد كل حين عبر زياراته المتعددة الي الصرح الكبيركلما حن الى لقاء من كان لا يزال باقيا ممن زاملوه فيها من معلميها مادّا اليهم المزيد من صلات الود والاخاء فضلا عن الحديث اليهم والى الطلاب ناصحا وموجها.. لم اكن بين من عملوا مع الشيخ الجليل او زاملوه فى اى من المؤسسات التربويه ولم احظ بلقائه او الاستماع اليه فى اى من تلك الصروح الشامخات الآ مرّة واحدة حينما وقف خطيبا على منبرمسجد وادى سيدنا ذات جمعة من ايّام عام 1966 لمّا جاء زائرا الاستاذ محمد ابوبكر..ناظر المدرسة حينها. وقد سبق ان تزاملا فى حنتوب منتصف خمسينات القرن العشرين الى حين انتقال الاستاذ محمد ابوبكرفى عام 1958 الى الخور الخصيب نائبا للناظر وانتقال الشيخ احمد المصطفى فى ذات العام الى وادى سيدنا رئيسا لشعبة التربية الاسلامية خلفا لشيخ جليل آخر كان من اللعاشقين لوادى سيدنا المحبين البقاء فيها مهما امتدت بهم سنوات العمر هو الاستاذ يوسف الخليفه عبدالرحمن الذى لم يقع امر انتقاله من وادى سيدنا الى حنتوب موقعا حسنا فى نفسه فسعى ونجح مسعاه لتعديل قرار انتقاله من وادى سيدنا ليكون الى مدرسة ام درمان التجارية الثانوية التى كان قد تقرر ترفيعها الى مدرسة كبرى ذات اربعة انهر وتم انتقالها الى ثكنات الجيش البريطانى فى الخرطوم.
تناقل الكثيرون من طلاب الشيخ احمد المصطفى الطاهر وزملائه المعلمين الكثير من اخباره وتذكارسيرته كنموذج للمعلّم الجاد المخلص فى عمله..ذى الانضباط الكامل مظهرا ومخبرا وملبسا..داخل وخارج حجرات الدراسة افادوا عنه انه كان الرجل الضرب.. فهولدى الكثيرين ممن عرفوه وتعاملوا معه انه – رحمه الله – فى زى المشائخ – كان يمثل الجدية والصرامة والحزم فى ارفع درجاتها واسمى صورها وهى تسيرعلى قدمين ويضفى شخصه عليها المهابة والوقار..كان صاحب الكلمة الواحده التى لا معقّب لها الآ انفاذ لما نطق وتنزيله الى ارض الولقع..كان من الذين اذا ما قالوا فعلوا عطاءا وبذلا فى تفان وتجرّد..غيورعلى الدين الاسلامى غيرة لا تحدها حدود. افاض الشيخ الجليل احمد المصطفى على منبر مسجد وادى سيدنا فى تلك الجمعة وعظا وارشادا باللغة الفصحى والدارجية متمثلا بايات الله البينات وبالاحاديث الثابتة والمتفق عليها..زمانا ليس بالقصيرطال امده وزاد .. بطبيعة الحال لم يكن هناك كائن من كان فى داخل المسجد او فى خارجه يمكن ان يكون لديه اى قدر من الجرءة على ابداء ولو قطرة من برم او تململ يبديهما فيما كان الاستاذ خطيب تلك الجمعة يقول. وظل الكل ..طلابا ومعلمين وعاملين فى صمت مطبق ..وألآ( كما علمنا سابقا ولاحقا) ربما امتدت الخطبة وصلاة الجمعة الى ما بعد صلاة العصر.. فضلا عما كان سيناله من ابدى تبرّما او حتى من كان فى حاجة الى تجديد الوضوء من التقريع وتقليل الشأن ما قد يظل ملتصقا بشخصه زمانا طويلا..فقد كان الشيخ ممن لا يحتملون من الطلاب اى قدرمما ينبىء عن برم اوعدم انصات لما يقول خاصة فيما يتصل بأى امر من امورالدين الحنيف.وظل الشيخ الجليل يتنقل بين ادارات الصروح التعليمية فضلاعن توليه منصب مفتش التربية الاسلامية خلفا للشيخ اسماعيل ابوالقاسم مما اتاح له ان يكون من اكثرالمعلمين تأثيرا فى طلابه ورفاقه من المعلمين بفضل تنقله وتجواله فى مختلف المدارس توجيها للمعلمين ومزيدا من الهداية والارشاد للظلاب لتبقى اثاره فى اغوارالابدية وبصماته فى ابعاد اللانهائية..رحمة الله عليه فى اعلى عليين.
الاستاذ يوسف الخليفة عبدالرحمن معلّم متمكن من ناصية اللغة العربية ورغم انه كان معهديا ازهريّا ودرعميا الآ انه لم يلتزم على الدوام بارتداء زى المشائخ والسيرعلى نهجهم.الآ فى القليل النادر.كان يرتدى فى كثيرمن الاحيان الزى الافرنجى الكامل.السترة (البدله) والبنطلون المصنوعين من افخرانواع وخامات الاقمشة واغلاها فضلاعن اربطة العنق الزاهية التى تتناسب وتتناسق مع الوان القمصان ذات الياقات المنشّيات ..كان يدرّس اللغة العربية وآدابها ويمارس من تدريس التربية الاسلامية - اذا ما كانت هناك حاجة الى تفضّله بتدريس بعض حصصها ما يناسب رغباته من مناهجها اكمالآ للحد الادنى لما هو منوط بندريسه من عدد الحصص الاسبوعية المقررة له..كان محبّا لمهنة التعليم التى اوفى لها وفاءا منقطع النظير. لم يكن معلّما فحسب ولكنه كان ابا لصغار طلابه واخا كريما لكبارهم الذين كلما تذاكروا سيرته يملؤهم الفخار بجلوسهم الى حلقات درسه وتواصل علاقاتهم به بعد تخرجهم من الصروح التعليمية التى التقوه فيها .. كان الاستاذ كثيرا ما يحاول استخدام بعض الكلمات والعبارات الانجليزية مع طلابه ومع زملائه من البريطانيين.كان الضاحك الممراح فى غيرتهاون اوتفريط فى واجب اومسؤولية. لم اسعد بزمالته ولكن كم كنّا نسعد بلقائه والتحدث ومؤانسته ابّان فترات تصحيح اوراق اجابات الجالسين لأمتحانات الدخول للمدارس الثانوية التى كانت تقام فى شهرابريل اومايو من كل عام فى احد الصروح الثلاثة.كنت القاه فى اواحق من الازمان مرارا وتكراراعند الظهيرة فى نهاية ساعات الدوام المدرسى عندما يأتى لنقل كريمتيه الاستاذة "ليلى" معلّمة التاريخ بمدرسة امدرمان الثانوية للبنات وشقيقتها"اميره" الطالبة بالمدرسة ذلك فى آخراعوام تقلّدى "نظارة" المدارس.كان– رحمه الله - على قدر كبيرمن الذكاء الوقاد مما ما يعينه على"التلاعب بالالفاظ" مستخدما اسلوبى المدح بما يشبه الذم والذم بما يشبه المدح او اسلوب ابن المقفّع عند مخاطبة المجتمعين.. ومن ثَمّ ينطلق متباعدا تعلو وجهه ابتسامة ماكرة.
وفى لاحق من الزمان تواصل انتقال عدد من معلمى اللغة العربية والتربية الاسلامية الكبارممن اعطوا وبذلوا وتركوا فى نفوس طلابهم من البصمات ابقاها .. رحم الله من انتقل منهم الى رحاب ربه ومد فى ايام القلائل الذين لا يزالون ينتظرون... جاءوا الى وادى سيدنا يحملون امانة التعليم واندسوا فى دنيا التواضع وظلّوا يهادون البلاد كتائبا من طلابهم فى نهاية كل عام دراسى ..و ممن وصفهم شيخ شعراء السودان ألأستاذ عبدالله الشيخ البشير" اعطوا عطاء القادرين مثورين فى صدور طلابهم احلاما وامجادا".كان من بينهم الاستاذ مهدى مدثر الحجاز(عمّا كان للاستاذ عمر حسن مدثر- عمر ماث) صال الاستاذ مهدى وجال على منصات حجرات الدراسة فى ثانويات المدارس وعلى منصات قاعات المحاضرات فى الجامعة الاسلامية لاحقا بعد حصوله على الماجستير. سعدت بلقائه وزمالته فى مدرسة الخرطوم الثانوية الحكومية للبنين( التى لم يعد اسم "القديمة" يميّزها فى شىء فهى التى اضحت اثرا بعد عين بفضل نفر من الذين سعدوا بالدراسة فيها فقد اصبحت وا اسفا عليها صدى ذكرى ) الاستاذ مهدى كان من العاشقين للقراءة والاطلاع وممن يفضلون اصطحاب طلابهم الى مكتبات المدارس التى عملا فيها والتى كانت تفيض بالكتب والاصدارات من كل نوع وجنسكان من الذين يرون ان اللغة لا تُدَرّس وانما تُكتَسَب عبركثير الاطلاع والاحتكاك بالاساليب المتعددة..لم يكن الاستاذ مهدى معلّما داخل حجرات الدراسة فى زمان ينتهى بمغادرة الجالسين الى حلقات درسه المؤسسات التعليمية ولكنه كان من المتابعين اخبار طلابه المنتشرين فى مشارق الارض ومغاربها اوقد توطدت به علاقات الكثيرين منهم عبر الزمان.. رحمة الله عليه بين الشهداء والصديقين.
سعدت وادى سيدنا مثلما سعد مجتمع العاصمة بمقدم الاستاذ الكبيرالشاعرعبدالله الشيخ البشير فى عام 1966عائدا من الخور الخصيب الى الصرح الاعظم رئيسا لشعبة اللغة العربية خلفا للاستاذ على احمد على.. وفاضت الشعبة ألقا بقدوم الاستاذ الشاعر النحرير الذى لقِّب فى لواحق الازمان بشيخ شعراء السودان.. لقب لم يكن يرضى ان يرافق اسمه امعانا فى تواضعه واعترافا بحق من سبقوه من شعراء السودان به.. كان يرى ان معلّم الاجيال احمد محمد صالح وتوفيق صالح جبريل والتجانى يوسف بشير وادريس جماع ومحمد محمد على .رحمة الله عليهم اجمعين فى اعلى عليين احق منه باللقب..اجتمعت فى شخص الاستاذ الشاعرالفنان عبدالله الشيخ البشيركثير من الصفات ما قل ان تجتمع فى فرد واحد من بنى البشر.. فهو الانسان اولآ واخيرا.منذ صباه الباكرحسبما اورد الكثيرون من ابناء جيله ومن تقدموه سنا من اهله ومعارفه.. هو الزاهد فى حطام الدنيا.وهو جمل الشيل(الصابر(وهذا كان من القابه)على محن الليالى والايام.فى شجاعة راى واقتدارعلى المواجهة ومقارعة الحجة بكل منطق سليم.كان ريحانة كل مجلس فكرى وتجمع تربوى..فى ذكاء وقّاد وبصيرة نافذة..ترأس باجماع رفاقه المؤسسين منظومة جماعة الادب السودانى عند انشائها الى ان اضحت اتحادا للادباء السودانيين.فاضت اشعاره باغراض الشعر العربى وبموضوعاته المختلفة..كان من اشهر ماعرف من نظمه ملحمة المسيد ورثاؤه المعلمين الجليلين كرف(فىقصيدته العصماء فى مأتم الشعر)التى كان من ابياتها " نهارى لا تخوم له00وليلى زفرة حرّى".. "مشى برسالة الفصحى00 وكان طريقه وعرا" "وقالوا فات اشجع00 من مشى بحياته حُرّا " ."ومضى الى ظلال الله00 يجنى الخلد والاجر" " فيا حزنى على كرف00 ثوى بالعدوة الاخرى " .."وما بقيت سوى الذكرى00 فوا حرى من الذكرى" مثلما رثى رفيقه حسين حمدنا الله فى فصيدة بعنوان "دمعة".. كان الاستاذ شغوفا بالرياضة وان لم يمارسها ,, كان يرتاذ دورها من حين لآخر ويسعى الى ميادينها فى المؤسسات التربوية التى عمل فيها مشجّعا ومناقشا . امتدت علاقاته بطلابه على مدى الزمان بعد تخرجهم على يديه.. يذكرهم فردا فرا وبالاسماء وبالالقاب احيانا. ويجتر ويستعيد معهم ذكريات ايام جلوسهم بين يديه .. فلا غرو ان كان لهذا المعلّم الفذ من تلك الصفات والشمائل التى لم اذكر منها الا القليل ومن ألأثارابقاها ومن البصمات اخلدها فى وجدان رفاقه وطلابه ..فمن المؤكد ان وادى سيدنا معلمين وطلاب وعاملين قد غمرتها السعادة فى كل ركن من اركانها. بعمله فيها. الآ رحم الله شيخ شعراء السودان فى اعلى عليين وجعل الفردوس الاعلى مقرّا له ومقاما بين الشهداء والصديقين ..(وما بقي لنا من معلّم الاجيال عبدالله الشيخ البشير سوى الذكرى فوا حرّى من الذكرى.. اوكما قال)
وتزامنا مع مقدم الاستاذ عبدالله الشيخ البشيرالى وادى سيدنا انتقلت اليها مجموعة من دهاقنة معلمى لغة الضاد الذين صالوا وجالوا سنين عددا على منصات عدد من المدارس الوسطى والثانوية فى انحاء البلاد كان منهم من سعدت بجواره ورفقته فى مدينة ودمدنى الفيحاء فى بدايات ستينات القرن العشرين بين نفر كريم من رفاقه فى ثانوية البنين وشخصى الضعيف يسعى فى ثانوية البنات هوالاستاذ محمد احمد الحسين.وافرالبيان ذرب اللسان.الضاحك الممراح الحازم فى غيرتشدد اذ لم يكن فى "حزمه قهراوتسلّط اويشوب مرحه اى قدرمن تفريط فى مسؤولية او واجب" (متّعه الله بالمزيد من الصحة والعافية). وظل يثرى العملية التربوية فى الوادى الاخضرمع رفاقه الاخيارمن العقد النضيد الذين صحبوه الى وادى سيدنا..احمد الطيب الجميعابى ومحمد البشير الحسن الذين سعد طلاب وادى سيدنا ببذلهم وعطائهم الوفير .. رحم الله الاستاذين الجليلين فى الفردوس الاعلى
وكان ممن قدموا الى وادى سيدنا فى عام 1967 الشاب النابه حديث التخرج من الجامعة الاسلامية من بعد دراسة فى الازهر.. الاستاذ فاروق الطيب من بعد عمل متميز لبضعة اعوام فى بعض الوسطيات من المدارس. كان يشع علما وحماسة وذكاء فاجتمع ذكاؤه بخبرات الاستاذ عبدالله الشخ البشيروبحماسة رفاقه وتفانيهم وباندفاع طلابه للعلم والمعرفة فتالّق اداؤه منذ ان وطئت قدماه ارض وادى سيدنا .. فاض ادبا وشعرا داخل حجرات الدراسة وخارجها مناشط تربوية متعددة.. وبفضل علمه الفياض وعلاقات الاستاذ عبد الله الشيخ البشير الممتدة مع الادباء والكتّاب والشعراء تكللت مساعيهم لأنشاء "حماعة الادب السودانى"..نواة اتحاد ادباء السودان الذى اثرى الحياة الادبية فى البلاد..وكان من عطاء جماعة الادب السودانى خروج كتاب" مقالات فى النقد" الذى يعتبر اول كتاب من تأليف السودانيين يتم تدريس محتوياته ضمن منهج اللغة العربية فى مجال النقد الادبى فى مدارس السودان وظل الفاروق يتنقل بين المدارس بعد افول نجم وادى سيدنا الى ان واتته الفرصة للعمل فى القسم الثانوى التابع لجامعة افريقيا العالمية حبث لفت اليه الانظار بتفوقه علما وتدريسا فالتحق بالجامعة دارسا ليحصل على درجة الماجستير ومن بعدها الدكتوراه فى جامعة امدرمان الاسلاميه حبث تم تعيينه فيها نائبا لعميد كلية اللغة العربية ثم عميدا لها.. لم يقتصرعطاء الاستاذ على الجوانب الاكاديمية فى مؤسسات التعليم ولكنه اثرى الاذاعة السودانية بالمشاركة فى واحد من برامجها الادبية ضيفا واسع الحضورفى برنامج "اديب فى دائرة الضوء" وفى اخريات ايامه كان يقدم برنامجا ادبيا فى قناة تلفاز السودان الفضائية تحت اسم"الخرطوم تكتب".. انتقل الى رحاب ربه بعد حياة زاخرة فى التعليم والتثقيف ولما يبلغ السبعين من العمر..رحم الله الاستاذ فاروق فى اعلى عليين.
وكان من المخضرمين من علماء اللغة العربية الذين سعد طلاب وادى سيدنا بالجلوس الى حلقات درسهم الاستاذ الجليل..عبدالحميد محمد الامين العباسى الذى صال وجال داخل وخارج الفصول وتقلّد فى حنتوب رئاسة الشعبة سنين عددا عندما انتقل اليها .الى ان كان عام 1978 الحزين حينما جاء اجله المكتوب وكتابه المسطورفذهب الى ظلال ربه يجنى الخلد والاجر ولما يتخطى الرابعة والخمسين.. وهولم يزل يفيض علما وعطاء لطلابه داخل حجرات الدراسة وخارجها واخاء منقطع النظيرلرفاقه من المعلمين..الحديث عن الاستاذ العباسى لا تكفيه صفحات من ذكريات عن وادى سيدنا فكان البحرالزاخر يموج بآداب اللغة العربية نثرا واشعارا على حد سواء فضلا عن بلاغتها وقواعدها اللتين ظل ظل يرسلهم سهلا ممتنعا الى طلآب كل مؤسسة تعليمية سعدوا بوقوفه امامهم بوجهه الصبوح الذى لم تكن الابتسامة تفارقه فى ليل او نهار. فهو كمن تنطبق عليه مقولة الراحل الكريم الشاعرعبدالله الشيخ البشير" مضى من كان فى الازمات يحمل وجهه البشرى"."ورحل من كان يمعن فى تواضعه ويحلّق فوق الآخرين صقرا"."فوا اسفا على العباسى وقد اضحى صدى ذكرى" رحم الله ابا البهاء واخوته فى الفردوس الاعلى..
وفى شعبة التربية الاسلامية عمل فى وادى سيدنا عبرالسنين عدد كبيرمن علماء الدين وفقهائه. كانوا الهداة المرشدين لطلابهم ورفاقهم من العاملين والمعلمين واهل القرى المجاورة..كان منهم الشيخ الهوارى..الشيخ عبيد احمد المجذوب ,,والشيخ التكينه..وشيخ الخضر الحسن .الشيخ جعفرسعد. والاستاذان سيد احمد الجاك وابوعلى كرار..الذين كم سعدت بزمالة عدد منهم وبالاستماع الى نفرمنهم يؤمّون الصلوات ويجيبون عن تساؤلات الطلاب والمعلمين فيما يتعلق بامور دينهم ودنياهم. لم يقتصرعطاء البعض منهم على التدريس وامامة الصلوات ولكنهم كانوا من المشاركين فى المناشط التربوية.. رياضية كانت او اجتماعية..فقد كان الاستاذ ابوعلى من انصار وكبار مشجعى الرياضة عامة ونادى الهلال الامدرمانى على وجه الخصوص.رحم الله من انتقل ومتّع من لا يزال ينتظر بالمزيد من الصحة والعافية.
فى ختام استعراضى لسيّر بعض اعضاء شعبتى اللغة العربية والتربية الاسلامية من سبقونى ومن زاملتهم فى الصرح الكبيربين اعوام 1965 و1967ومن سأواصل بأذن واحد احد تذكار سيررفاقنا من اعضاء الشعب الاخرى ..من منظور معلم شارك بجهد مُقِل لآ اكثر فى ترك بصمات هنا اوهناك مع من عملوا فى ذلك الصرح العظيم وتبادلوا المواقع من رفاقهم فى مختلف المؤسسات التربوية والتعليميه ارجو ان اؤكد لمن تكرّم بالاطلاع على هذه الذكريات ويرى الحاجة الى مزيد من الحديث عن ا رتباط تلك السير بالمكان بما قدّم اولئك الافذاذ من المعلمين .. فاعيد ما سبق ان ذكرته ان ما يسجله الدارسون من ذكريات لهو اكثرصدقا وجمالا واكثر تاثيرا فى نفوس القرّاء .ز فقد كنت واحدا من تلك المصفوفة وبطبيعة الحال لن يتسنّى لى الالمام بما قدم كل واحد منهم تفصيلا فى مجال تخصصه داخل او خارج حجرات الدراسة فالدارسون اكثر التصاقل ببعضهم البعض واكثر الماما بجريات الاحداث اليومية..فضلا عن ان الهدف من كتابة تلك السيّر وغيرها كان هو بخلاف التوثيق لتلك الصروح الشامخات التى سعِدتُ بالدراسة فى بعضها والعمل فيها او فى غيرها .. كان هو بالضرورة استنهاض همم من وجدوا فرصة الدراسة في تلك الصروح الشوامخ للكتابة عن تجارب حياتهم وعيشهم في ارجائها وما تلقوه من معلميهم الافذاذ -عمالقة سوابق الازمان - من علوم انتفعوا به وهداية وارشاد كان نتاجها الارتقاء بحياتهم وسلوكياتهم تفاعلا مع زملائهم الآخرين وقبولهم بعضهم لبعض وان اختلفت اعراقهم وخلفياتهم الثقافية ورؤاهم ومعتقداتهم دون ان يكون للفرقة بيتهم او للعنف والاقتتال وجود بينهم بل كان الوئام والتوادد يسود والوحدة الوطنية قد قامت ركائزها وانبنت دعائمها لتتمدد وتتواصل عبرالزمان الى مؤسسات التعليم العالى ودواوين الحكومة آجلا او عاجلا لتعم ارجاء السودان وليتنعم البلاد بنماء وتقدم مطلوب.ومرتجى وليصبح ما صاغه استاذ الاجيال المرحوم سعد الدين فوزى من كلمات سعدنا بترديدها فى سوابق القرون نشيدا عذبا يعيد رفيق دربنا وزميل صبانا الفنان الكبير عبد الكريم الكابلى الشدو به بذات اللحن الفريد.. "ذلك الماضى لنا.. منه تنساب المنى نحو سودان جديد" ونظل نرفع رايات الوفا لذكرى تلك الايام الخوالى التى لا ولم ولن ننسى ذكراها والتى مرحا وعلما وافرا ووفاقا بيننا قضيناها. هذا فضلا عن ازاحة الستار الكثيف الذى اُسدِل امام اعين ابناء السودان منذ اكثر من ربع قرن من الزمان عن حقب تاريخية نادرة وفريدة مر بها النظام التعليمى والحياة الطلابية فى السودان ولم يكن هناك من سبب لآعادة صياغة الانسان السودانى.. كل المنى ان يشمر كل قادر على العطاء كتابة وتوثيقا لذلك الماضى لتكتمل حلقات التاريخ - ان يشمِرعن ساعد الجد ليسجل م لا تزال ذاكرته تختزنه (قبل ان يخنى عليها الذى اخنى على لبد) عن سحر تلك الامكنه فى تلك الازمنة .فما احاديثى الآ هى قطرة فى محيط.
وسوم: العدد 678