الانتخابات البلدية الفلسطينية ملهاة وزيادة انقسام
دائما هناك هام وأهم ، والتركيز على أي من الاثنين يحدد نوعية من يفعل ذلك جودةَ في إدارة شأنه ، وإحساسا بالمسئولية الأخلاقية إن كان الشأن يتصل بغيره . يمكن قول ما سبق عن الانتخابات البلدية التي قررت حكومة الحمد الله الفلسطينية إجراءها في الضفة وغزة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول القادم . ففي الوقت الذي اجتاحت فيه حمى الانشغال بتلك الانتخابات فتح وحماس وسواهما من الفصائل التي قررت الاشتراك فيها ؛ تعلن إسرائيل عن المزيد من المشاريع الاستيطانية الجديدة في الضفة والقدس . لا نقول إن الانتخابات البلدية مرفوضة ، لكننا نرفض أن تكون ملهاة ومثارا للخلافات والرغبة المحمومة في توكيد " شعبية " هذا الفصيل أو ذاك في وقت اضمحلت فيه " شعبية " الفصائل ، وانحسر تأييدها انحسارا واضحا حتى بين أعضائها وأنصارها غير المنتمين لها عضويا . وحديث حركتي فتح وحماس عن جنوحهما لترشيح " كفاءات وطنية " على قوائمهما ، والابتعاد قدر المتاح عن الشخصيات التنظيمية الخاصة بهما ؛ يؤكد استشعار الحركتين لتقلص شعبيتهما بين الجمهور الفلسطيني ، وإن كانت نزاهة الرأي تحثنا على التنبيه إلى أن حماس لم تُعطَ منذ أن فازت في انتخابات تشريعي 2006 أي فرصة لأداء دورها في السياسة وفي حياة الناس . احتشد ضدها الأعداء فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا ، وشفع لها ما وفرته أجهزتها الأمنية من استقرار أمني اجتماعي في غزة ، وما أظهره مجاهدوها القساميون من بسالة خاصة في مواجهة عدوان 2014 . كل عاقل عادل ، سليم الفهم ، موضوعي النظر يقدر أن حركة قدمت الكثير من الجهد والمال في تجهيز هذه النوعية من المجاهدين المضحين قمينة أن تقدم الكثير المُرضي في مجالات معيشة الناس لو كانت الظروف المحيطة بأدائها عادية ، وليس بالسوء الكبير الحالي . رفعت حماس اعتراضها على إجراء الانتخابات البلدية اعتمادا على هذه الشعبية المستمدة من فعاليتها في خلق أمن مجتمعي مقبول ومن أدائها القتالي في الحرب الأخيرة خاصة . وتبقى قضية حرية تحركها انتخابيا في الضفة قناعة ؛لأن السلطة وإسرائيل ستحاربان هذا التحرك صراحة أو مواربة لسد سبل نجاحها في الانتخابات هناك ، ويستقر الرأي بين الفلسطينيين أن حماس ستتفوق على فتح في الضفة لاستياء الناس من السلطة الفتحاوية مضمونا وشكلا ، وأن فتح ستتفوق على حماس في غزة لاستياء الناس فيها مما آلت إليه حالهم المعيشية ، وأن هذا الاستياء قد يغلب شعبيتها النابعة من تضحياتها الكبيرة في محاربة إسرائيل . الانتخابات البلدية مشحونة بسوء النية والأنانية الفصائلية ، وأبعد ما تكون عن حب الديمقراطية والاهتمام البحت بمنفعة الناس . وليس في فلسطين أو في أي دولة عربية من يجترىء على الزعم أنه ديمقراطي أو أن جماعته السياسية ديمقراطية إذا كان في وجهه قطرة صغيرة من دم الحياء. ومستخلص ظروف الانتخابات البلدية التي ضربت حُماها الفصائل الفلسطينية ينذر بأنها لا أمل فيها ولا خير في عاقبتها ، وأنها أقرب إلى فتح متاهات الخلافات والصدامات منها إلى فتح باب الأمل والخير، أثناء الاستعداد لها وأثناء إجرائها وبعده حتى في صفوف الفصيل الواحد مثلما نرى في فتح . ووهم كبير يقع فيه من يظن أن عاقبتها ستزيل الانقسام وتأتي بالتوحد . لو فازت فتح بأكثر البلديات فإنها سترى في فوزها نهزة للتخلص من منافستها الكبيرة حماس ، ونقول " منافستها " ترفعا عن ذكر الوصف الحقيقي لما بين الحركتين . ولو فازت حماس ببعض البلديات في الضفة فسيصعب عليها إدارة شئونها في جو مطاردة إسرائيل والسلطة لعناصرها وأموالها ، وكل شيء سياسة ، و" أمن " إسرائيلي في الحالة الفلسطينية . والخلاصة أن الانتخابات أجريت أو لم تُجرَ لن تكون إلا ملهاة ومدخلا واسعا لمضاعفة التشرذم والتباعد بين الضفة وغزة ومكونات المجتمع في كل منهما ، والواقع الفلسطيني أحوج إلى رؤية أمينة ومعالجة صحيحة من الانتخابات بكل أصنافها المعطلة من سنوات ، وجوهر تلك الرؤية، وصحة تلك المعالجة العمل على التخلص من الاحتلال ، أي تقديم الأهم على الهام ، بل على القليل الأهمية في الحالة الفلسطينية لو صفت النوايا . الانتخابات التشريعية في 2006 التي فازت فيها حماس كانت مثالية النزاهة بشهادة الجميع ، ومنهم المراقبون الأجانب ، ورأينا ما أفضت إليه : الانقسام والهلاك الحاليان ، مع أن الأحوال فلسطينيا كانت أحسن منها الآن على مستوى التماسك الوطني .
وسوم: العدد 678