لعبة المصالح والكورد
تعود الى الواجهة من جديد لعبة المصالح الدولية التي تمارسها القوى الكبرى على الخراب الارضي، من اجل تحصين مواردها الاقتصادية من جهة وارضاء حلفائها السياسيين في المنقطة من جهة اخرى، وبالطبع عبر تثبيت اقدامها اكثر في المنطقة التي هي اصلا مثبتة، وتحقيق اكبر قدر من المصالح التي تخدم وجودها، وباقل الخسائر المادية والبشرية فيما يتعلق بهم، وبالطبع لاتهم خسائر احصاب الشأن والقضية.. لانهم باختصار احجار على رقعة الشطرنج المصلحوي الدولي.
ان النظر بتمعن الى الاحداث الاخيرة سيظهر لنا بصورة جلية كيف ان جماعات الضغط الدولية التي تمارس هي الاخرى لعبتها الخفية، فرضت على الدول الكبرى التوجه من جديد الى كوردستان والقيام بلقاءات مكثفة مع مسؤولي الكورد في كوردستان، بعدما شاهدنا نكوصاً وتراجعاً واضحاً في مساعيهم - مساعي هذه الدول - من اجل تحقيق مطالب الشعب الكوردي في الاونة الاخيرة، لاسيما فيما يتعلق بالاستفتاء واستقلال كوردستان الجنوبية عن الدولة الطائفية التي تسمى العراق.
فعلى الرغم من ان هذه الدول تاريخياً حين نحتاج نحن الكورد اليهم يديرون ظهورهم لنا، الا انهم مازالوا مستمرين في اللعبة التي تجلب للكورد المزيد من الويلات والمآسي، وتضحي بدماء شباب الكورد من اجل تحقيق مصالحها، والغريب ان التاريخ وجد للعبرة الا لنا نحن الكورد حيث مازلنا نؤمن بان قضيتنا لن تحل الا بعدما تحضنها احدى هذه الدول الكبرى.. والتي كما يبدو لنا لم تعد تعير لهذه المسألة اية اهمية طالما ان مصالحها غير مهددة، وان ما تبغي من وجودها في المنطقة محقق لها من غير جهد بشري واقتصادي كبير.. وفي المقابل تستفاد من بيع اسلحتها من جهة، واعلامياً تخدم مصالحها باعتبارها حليفة تقوم بتقويص اوكار الجماعات الارهابية التي تهدد الامن والسلام العالميين.
ولعل الامر لم يعد مجرد احجار تحرك من قبل هذه الدول التي تظهر في العلن، لان الامر اصبح متعلقاً بدرجة كبيرة بجماعات الضغط الدولية التي تسعى من خلال شعاراتها واعمالها ان تحقق اكبر قدر من المكاسب الاقتصادية حتى على حساب الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة وتهدد الجماعات البشرية فيها بالاضمحلال والافات.. لان ذلك باختصار يحقق وجود افضل لها، بحيث يمكنها ان تبيع الاسلحة للجماعات المتناحرة من جهة، ومن ثم بعد ان يتم القضاء على البؤر الفوضوية ستقوم باعادة بناء المنطقة عبر مؤسساتها الدولية سواء من خلال صندق النقد الدولي او اية هيئة استثمارية دولية اخرى.
والغريب نحن الكورد كنا ومازلنا نعيش ضمن الماهيات التي تجذب هذه الجماعات الدولية، بحيث يمكن ان تهز هذه الجماعات- الدول - مشاعرنا بلحن قديم جديد، يتجدد في كل قرن وعقد ويوم في عروقنا، فليس عليهم سوى ان يتغنوا بنا وبقوتنا وبقدراتنا وشجاعتنا.. ومن ثم يعزفوا اللحن الحزين الذي يؤرخ مآسينا والكوارث التي مررنا بها في صراعاتنا مع الدكتاتوريات القومية والدينية والمذهبية، واخيراً يضيفوا عليها نغمات تحقيق المطالب والحقوق الشرعية للعشب الكوردي باعتبار ان الشعب الكوردي اكبر قومية موجودة الان في العالم بدون دولة والى غير ذلك من المعزوفات التي تنحني لها جباهنا.. وتنحني لها قامات جبالنا.. حتى نجد بان فوهات بنادقنا قد صوبت نحو العدو.. عدونا نحن.. ومحققي غايات الجماعات الدولية.. فنضحي بشبابنا وبامننا وباستقرارنا من اجل ان يتم ما خطط له من قبل هذه الجماعات. وهذا ما يجعل الامور تزداد يوما بعد يوم سوءً، فالمرض بدأ يتفشى في جسد الشعب الكوردي، واصحاب المصالح السياسية باتوا قادرين على تحركينا حسب اجنداتها ووفق مصالحها بشكل لايمكن ان يكون مستقبلاً ذا تاثير ايجابي على النفسيات وعلى الاجيال.. ونحن الكورد اكثر الشعوب حاجة الى الاهتمام بالنفسيات لاننا نحاول منذ عقود ان نرمم ما اتلفه الوقت والنعرات القومية والدينية المحيطة بنا من جهة.. والنعرات السياسية الداخلية من جهة اخرى.
لاجل كل هذا وبالبطع من اجل الكثير من ما لم نقله نحن، نتساءل لماذا القيادات الكوردية المتناحرة فيما بينها، تقحمنا في معركة لاتخدم الا ظاهرياً مصالحنا، وفي الباطن لاتخدم الا مصالح الاطراف الدولية والجماعات الدولية والاقليمية، ولماذا لا نعتبر من التجارب التي مررنا بها، ولماذا علينا ان نردد اغاني وتراتيل الاخرين، بان الامن والاستقرار لن يتحقق الا باقحام شبابنا في معركة تخدم الغير في جوهرها، واعلاميا فقط تخدمنا.. ولماذا نتجاهل ونتناسى ما حصل قبل اسابيع قليلة حين بدأت بعض القيادات الكوردية بالعمل من اجل الاستفتاء وزارت عواصم اغلب هذه الدول ولم تجد مساندة فعلية منها، وانما اكدت تلك الدول وفرضت على الكورد وجوب العودة الى حضن العراق الطائفي المنتشي باراقة دماء ابنائه، والمنتشي بالنعرات المذهبية والطائفية.
هذه الدول ان ارادت ان نتشارك معهم القضية والحلول لكانت جعلتنا معها في الصورة وبوضوح، لكنها في المحافل الدولية تتجاهلنا وبالعلن وكأنها.. بل انها تقول لنا بانه لاعلاج لمرضكم الا بالتداوي بالطب الطائفي المذهبي.. كما حصل في المؤتمر الذي عقد في امريكا العظمى عن كيفية محاربة داعش ولم يتم استدعاء ممثل من الكورد مع العلم بان الكورد ( البيشمركة ووحدات حماية الشعب الكوردية) هم من اوقفوا زحف داعش في البداية وكسروا شوكتهم سواء في جنوب كوردستان او غربها.. ومع ذلك هذا لم يشفع للكورد بان يكونوا طرفاً في المعادلة الدولية بشأن داعش.. بل الادهى من ذلك لم يكن الكورد طرفاً في المعادلة السياسية المرتقبة للمنطقة ضمن آليات المعارضة في سوريا.
لذا لانحتاج الى صور اضافية كي تتضح لنا المضامين فالايحاءات تكفي لمن يريد ان يفهم.. فلننظر الى الامر من خلال المعطيات الدولية وحسب اجندتها وما تقره وتفرضه هي واقعاً وليس عبر امانينا نحن.. فهذه الصورة الغامضة التي تفرضها هذه الدول علينا ليست بامر معقد.. ولنفكر بما قاله احد ابرز قادة الكورد اثناء وجوده في فرنسا ولقائه بالرئيس الفرنسي حيث صرح بان هناك امر يحدث وان هناك جغرافية جديدة ستفرض على المنطقة.. ولكنه لم يكن يعرف ما هي.. وكيف ستكون.. وذلك باختصار لانهم لم يضعوه معهم في الصورة التي يرسمونها.. وبالتالي هناك العديد من الدلائل والقرائن التي تثبت انهم يلعبون.. ونحن الكورد احجار يتم تحريكها وفق معطيات وتداعيات اللعبة.. ولكن ماذا نستفيد من الامر.. هذا ما ليس واضحاً.. هل يكفي ان يذكر اسم البيشمركة ضمن اكبر تحالف دولي في هذا القرن ضد الارهاب.. اعتقد بان الامر كبير وكبير جدا.. لكنه لايحقق طموحات الشعب الكوردي طالما اللعبة الدولية لاتعتبرنا سوى احجار على رقعة الشطرنج.. ولاتمنحنا مكانة " قلعة" بارزة في الصف الذي يجلس فيه الملك والوزير.
وسوم: العدد 687