دور الانتماء القبلي أو العصبية القبلية في التأثير على نتائج الانتخابات
المغرب من البلدان التي لا زال فيها وجود قوي للقبلية . ويلعب الانتماء القبلي دورا مهما في الحياة السياسية خصوصا مع حلول موعد الانتخابات حيث يلحظ بشكل واضح حضور هذا الانتماء بقوة . ومما يؤكد حضور هذا الانتماء إطلاق أسماء قبائل على جماعات ودوائر وباشويات الشيء الذي يكرس القبلية. والانتماء القبلي هو ما يعرف بالعصبية القبلية ، وهي مشتقة من العصبة أي الجماعة ، وهي عبارة عن شعور تترجمه شدة ارتباط المرء بعصبته أو جماعته والجد في نصرتها والتعصب لها أي الميل إليها خصوصا عندما يستدعي الأمر ذلك . وقد ينتقل الإنسان من قبيلته إلى المدن والحواضر وينخرط في الانتماء الوطني أو الرابطة الوطنية إلا أن عصبيته القبيلة تظل ملازمة له ، ويظهر تعصبه لها كلما حصل ما يدعو إلى ذلك . ومع حلول الانتخابات تظهر العصبية القبلية بشكل جلي . وتراهن الأحزاب السياسية على هذه العصبية لكسب أصوات المنتخبين ـ بكسر الخاء ـ ومعلوم أن وصول الأحزاب إلى أصوات هؤلاء يكون عن طريق أعيان القبائل الذين يتمتعون باحترام العشيرة ، وهو احترام يمثل نوعا من السلطة المعنوية على أفرادها. ويكفي أن تكسب الأحزاب ود هؤلاء الأعيان لتكسب رهان الانتخابات في قبائلهم وعشائرهم . وتستغل الأحزاب المتنافسة خلال حملاتها الانتخابية النعرة القبلية لإذكاء العصبية القبلية بقوة ، واستغلالها في تلك الحملات، كما تحتال الأحزاب على أفراد القبائل لجعلهم يشعرون بأن الانتخابات عبارة عن معركة تشبه معركة حقيقية يجب أن تخاض من أجل شرف وكرامة القبائل التي لا يمكن أن تقبل بالهزيمة أمام غيرها لأن ذلك يعتبر عارا. وتغطي العصبية القبلية في البوادي والأرياف على السياسة والبرامج الانتخابية ، ولا يبالي أفراد القبائل بانتماء سياسي أو حزبي أو إيديولوجي للحزب الذي يناصرونه انتصارا للعصبية القبلية ليس اقتناعا به . وتمهد الأحزاب للانتخابات بنوع من الحملات الانتخابية قبل الأوان في القرى والبوادي والأرياف حيث تستغل المناسبات العائلية من زواج أوعقيقة أو عودة من حج أومأتم أو غير ذلك ... لنصب الخيام وإقامة الولائم التي تعتبر فرصا سانحة للدعاية الانتخابية و قدح زناد العصبية القبلية حيث يسود شعور بين أفراد القبائل وكأن خطرا حقيقيا يداهمها إن هي لم تلتف حول أعيانها الذين يستميلهم هذا الحزب أو ذاك بمال أو بامتياز ومكاسب ، ويكون التصويت استجابة لأمر هؤلاء الأعيان وليس اقتناعا ببرنامج انتخابي . والحزب المحظوظ هو الذين ينجح في ترشيح أحد الأعيان لأن ذلك يسهل مهمته ، ويكفيه عناء حملة انتخابية وما تتطلبه من تكلفة أكثر من تكلفة الولائم التي تقام بسخاء . وعندما يحين موعد الحملات الانتخابية المرخص لها تكون القبائل التي عاشت تلك الحملات قبل الأوان قد دخلت أجواء الانتصار قبل الأوان وقبل فرز الأصوات ، وتبدو نتائج التصويت محسومة سلفا . ولا يدخر سكان الحواضر والمدن الذين يظلون على ارتباط بالانتماء القبلي و الذين تحركهم العصبية القبلية جهدا في التأثير على أبناء العشيرة ، وقد تقام الولائم العشائرية حتى في الحواضر والمدن لحشد الدعم لأعيان العشائر الذين يخدمون هذا الحزب أو ذاك . ومن الظواهر المعروفة في الحواضر والمدن أن بعض الأحياء تضم كثافة سكانية معتبرة تجمعها عصبية قبلية واحدة حتى أن تلك الأحياء تطلق عليها أسماء بعض القبائل . وقد تجمع بعض الأحزاب بين الرهان على العصبيات القبلية وبين صرف المال من أجل الظفر بمقاعد في الانتخابات . ويلعب عنصر المال دورا هاما في الانتخابات خصوصا بين الأوساط الفقيرة وغير المتعلمة التي لا يربطها بالانتخابات سوى الحصول على مقابل لأصواتها ، وترى في ذلك فرصة لا يجب أن تفلت وفق منطق " نترة من الحلوف ولا يمشي سالم " أي نيل من الخزير دون أن يعود سالما " وقد يكون هذا النيل ثمنا بخسا دراهم معدودات ،ويعود الخنزير سالما خلاف ما يظن النائلون منه . وقد لا يقتصر رهان الأحزاب للفوز بالانتخابات على استغلال الانتماء القبلي أو العصبية القبلية ، وتوظيف المال فقط بل قد يستغل نوع من النفوذ بطريقة أو بأخرى . و أمام مثل هذه الممارسات يكون الطرف الخاسر في نهاية المطاف هو التجربة الديمقراطية و هو ما يعني مغامرة وخيمة العواقب تهدد مصير الوطن والشعب .
وسوم: العدد 687