محنة الملالي في سورية

قارب قطار العبث الخميني ان يصل إلى محطته الأخيرة؛ حيث بدأت رحلته في حرب على العراق؛ ليتوقفت بتجرع الخميني كأس السم، ثم ليستأنف رحلته العبثية بالمشاركة مع الأمريكيين (وضدهم)  في الإجهاز على العراق؛ وكان قد طوّر زرعة سرطانية في لبنان استخدمها قفازاً ليزاود على العرب والمسلمين في معاداة الكيان الصهيوني؛ وأخيراً حط رحاله ليحسم معركته في سورية مستخدماً حاجة مَرَضيَّة لسلطة أُقنعت بأنها إما أن تحكم البلد او تدمرها. والآن، وبقدر ما اعتبر خليفة الخميني سورية “درة تاج” امبراطورية ” الجمهورية الإسلامية”، بقدر ما تحوّلت إلى كتلة نار ربما تأتي على تلك الأحلام المريضة.

كانت التقية السلاح الأخبث والأمضى في استراتيجية إيران. الدين كان سلاحاً، والمنظومة الحاكمة لا تقيم وزناً جوهرياً لذلك إلا لتعزيز الأجندة السياسية للملالي. الإرهاب كان أداة فاعلة من أخذ الرهائن إلى اغتيال بعض سفراء الدول إلى زرع الخلايا النائمة للعبث بامن المحيط الإقليمي والدولي، وصولاً إلى استضافة قادة القاعدة. كانت فلسطين أداة لإجهاض وتتفيه أي محاولة عربية او إسلامية في الدفاع عن الحقوق واستعادتها عبر العبث بالجسم السياسي الفلسطيني  بتقريب جهة واستهداف أخرى. كان مال النفط الايراني بأمرة الملالي والحرس الثوري لإنجاز أهداف التخريب والتوسع.

في الداخل الإيراني كان كل شيء كان مؤجل: العيش الكريم، الإقتصاد العفي، النمو الإجتماعي أو التعليمي أو الثقافي بانتظار ان تنجز “الثورة” أهدافها. حتى عندما يحصل تقدم تقني، يُجيَّر باتجاه “إنجاز أهداف الثورة” ؛ والتطور النووي الشاهد الأكبر. بعد توقيع الاتفاق النووي تأمل الايرانيون انفراجاً ببعض جوانب حياتهم إثر انفضاح التلظي بشعار “الشيطان الأكبر”؛ ولكن عبثاً. نسبة هائلة من الأموال التي فُكَّ التجميد عنها ذهبت لشراء المزيد من الأسلحة والبذخ على حروب الملالي في سورية واليمن وفي تغذية الإرهاب.

فاق استثمار الملالي في المأساة السورية أي استثمار عبثي لأي دولة في العالم. بعد فضحها لأداتها “حزب الله”- الذي كان السوريون يكنون له التقدير، عبر تحويله لقاتل لهم- وصلت إيران إلى حائط مسدود. لم ينفعها تبجحها بأن مصير أربع عواصم عربية بيدها، ولا الصمت الأمريكي-الإسرائلي المريب الذي ترك لها فسحة التخريب. ارتطمت طموحاتها المريضة بإرادة سورية شعبية تريد أن تعيش؛ وبعين حمراء عربية إقليمية ودولية. عندما استحال الحسم على يدها ويد ميليشياتها دفعت بـ “النظام” المقعد إلى الاستنجاد بروسيا كي تبقي صبيّها في كرسيه؛ واعتبر مرشدها ذلك المقعد خطاً أحمر. عبثت وخربت كل محاولة لوقف النزف السوري. هللت لكل فيتو استخدمه بوتين لإجهاض أي محاولة لوقف المجرمين.

أتت اللحظة التي تيقن بوتين أنه أنجز ما يريد في قفزته إلى سورية: * انجاز عسكري يقدّم مصداقية لفاعلية السلاح الروسي عبر تحويله سورية مسرح قتل وتدمير لاستعراض أسلحته؛ و * انجاز معنوي قابل للترجمة في الداخل الروسي؛ و * انجاز عالمي بانه يستطيع أن يفرض وقفاً لاطلاق النار ويطلق عملية سلام في سورية. أدرك بوتين ان الوقت عدو له. فهذه الذروة من الانجازات محكومة بالضياع أو الانحدار، إن هو تأخر بالتقاطها. بعكس ذلك تماماً كانت إيران؛ ما تحتاجه كان الوقت، كي تينع بذور السم التي زرعتها في سورية. إن هي قطعت تصدير القتل وتوقف النزف والدمار، فمشروعها إلى نهاية حتمية.

أدركت إيران ذلك. كانت مطلةً تماماً على خطة بوتين. ومن هنا سارعت إلى الانظمام إلى اللقاء الثلاثي في موسكو، علّها تتوقى “خفي حُنين”. مهرت “إعلان موسكو” بتوقيعها؛ وخرج إعلان الهدنة أو وقف إطلاق النار في عموم سورية دون أن تمهره بخبثها، ليكون كأس السم الذي لا بد من أن تتجرعه، وإلا الانكشاف أو الانفضاح المدوي. وبكل “تقية” رحبت بالاتفاق، رغم أنه يحمل في ثناياه خروج كل الميليشيات الغريبة من سورية… أي خروج ميليشياتها كباقي القتلة من سورية، أي توقيع قرار إعدامها بيدها.

أذكى المجرمين المحترفين يخطئ أحياناً بحساباته. لا بد أنها تصورت أوباما رئيساً أبدياً. بعد دلالها لثمان سنوات يخرج أوباما، ويأتي آخر ليشكّل طاقماً للسياسة الخارجية الأمريكية، أقلهم يريد لإيران أن تكف عن العبث بأمن المنطقة والعالم.

خطوة إيران التالية ستشبه مسلك الانتحاري الجبان: لا هي تستطيع الاستمرار بفعلتها بحكم وجود يد فوق يدها في ما اعتبرته “درة تاجها”، ولا هي تستطيع التوقف عن منهجيتها في العبث الذي تعيش عليه، وتنكفئ إلى داخلها وغليانه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ستسعى بكل خبث وتقية إلى تخريب تلك الولادة الجديدة القسرية للأمان؛ ولكن عبثاً، الكل لها بالمرصاد: خطها الأحمر أصبح عبئاً على من أتى من صقيع روسيا لإنقاذه، وتحول إلى عبء عليها ذاتها بحمله أطنان من الجرائم. روسيا لن تسمح لأحد أن يعبث بما أنجزت. أمريكا لا تحتمل المزيد من الأوبامية التي قد تصل إلى امنها القومي. الأوروبيون تعبوا من التدفق البشري الذي تساهم به طهران، وتكاد تتعرض إلى اهتزازات سياسية قاتلة.

لأول مرة ربما يستشعر الملالي ثقل ونتائج عبثهم. إنها ربما المحنة التي صنعوها بأيديهم. خروج الملالي لن يكون من عاصمة عربية أرادوها منصة لانجاز مشروعهم المريض وتتويجاً لجهود دموية قارب عمرها الأربعة عقود، بل خروجاً من حياة المنطقة، وربما من حياة الإيرانيين. إنها محنة النهاية. إنها لعنة الدم السوري.

*كاتب سوري.

وسوم: العدد 702