وهكذا انتهت عملية (درع الفرات ..) !!

أعلن بالأمس السيد علي يلدرم ، رئيس الوزراء التركي ، انتهاء عملية درع الفرات . أكد السيد يلدريم أن عملية درع الفرات حققت أهدافها بالكامل . وأضاف السيد يلدريم أن تركية عندما ستستأنف عملياتها للدفاع عن نفسها فستطلق عملية أخرى باسم آخر .

من السهل أن نستذكر ، في هذا المقام ، الأهداف المعلنة لعملية درع الفرات . وأن نضعها في متناول السيد يلدرم ، وأمام أنظار الرأي العام لنتفقد ما تحقق منها وما لم يتحقق !! ومع ذلك ؛ فإن المتابع السياسي يدرك أن الأهداف المعلنة لعملية درع الفرات لم تكن هي كل الحقيقة التي كانت القيادة التركية تعلن عنها وتسعى إليها .

 كلنا يتذكر ارتباط الملفات الأساسية لعملية درع الفرات بثلاثة ملفات أخرى موازية لانطلاقها: إخراج الثوار وفصائلهم من حلب ، بمعنى آخر الصمت عن تسليم حلب للنظام تحت وطأة قصف روسي غير مسبوق ، ومن ثم السعي إلى إعلان وقف إطلاق نار في سورية ، وثالثا انخراط ما تبقى من فصائل سورية في عملية مفاوضات مباشرة تحت عنوان أستانة ، بعيدا عن جنيف وأهله.

وحين يعلن السيد يلدرم اليوم انتهاء عملية درع الفرات ، بتحرير بلدتين سوريتين من داعش ، وليس من غيرها ، يجب علينا أن نستحضر أيضا مآلات الوضع في الملفات الأخرى ، نستذكر معا وضع الثورة السورية بعد حلب ، وحالة الهدنة ووقف النار التي لم تقف أبدا ، ثم مصير آستانة ولاسيما بعد أن شعرت الفصائل بعبثية ما يجري فيها فتوقفت عن المشاركة فيه . ثم أليس من حقنا أن نتساءل عن منبج ، وعن المنطقة الآمنة بخمسة آلاف ( كم مربع ) قيل يومها أنها نصف مساحة لبنان!!

ومهما يكن من أمر ، فإن أي متابع للوضع السياسي على الحدود الجنوبية التركية ، يدرك أن تركية لم تطلق عملية درع الفرات لكي تحرر بلدتي جرابلس والباب ، وهي لم تكن مهددة في أمنها القومي من تنظيم داعش الذي حاربته في هاتين البلدتين . لقد أرادت الحكومة التركية على الحقيقة من دخولها الساحة السورية ، متذرعة بحرب الإرهاب ، والإرهاب بالنسبة إليها يتمثل في قوتين أساسيتين : داعش وتنظيم البي واي دي المشتق من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا بقرار أممي.

ولكن الحقيقة التي فوجئ بها الأتراك أن الروس والأمريكيين ، الذين سمحوا لهم أن يلعبوا دورا مهما في حرب ( داعش ) وقفا ( كلا الاثنين ) سدا منيعا في وجه محاولة إخراج قوات ( البي الواي دي ) من منبج . مما أفرغ عملية درع الفرات من هدفها التركي الحقيقي . بل إن الحكومة التركية قد شعرت ولا شك أنها بما أقدمت عليه ، قد أعانت على نفسها ، وأزاحت عدوا لها ( لا يستهدفها ) من وجه عدو آخر يستهدفها في عقر دارها ، ويهدد أمنها القومي ، ووحدتها الترابية .

أمام منبج المحتلة من قبل القوات الكردية المدعومة أمريكيا وروسيا ، شعرت الحكومة التركية بانتهاء الدور . وأن بقاءها تحت عنوان درع الفرات سوف يحملها المزيد من المسئولية ، دون أن يمنحها أي ميزة استراتيجية ، او أن يفرج لها عن أي أمل بدور مستقبلي .

والأكثر من ذلك ، بدأ الأتراك كما السوريون ، يكتشفون أن التحالف (الأمريكي – الروسي – الكردي) الذي بدأ يتعزز أكثر بالسلاح والرجال وأشكال الدعم غير المحدود ، قد أصبح رباعيا ( أمريكي – روسي كردي – أسدي ) وأن عليهم أن يعيدوا حساباتهم على ضوء المعطى الجديد . فهم قد أيقنوا الآن ، بعد طول تردد وتكذيب ، ارتباط مستقبلهم بمستقبل الشعب السوري ، وأن الذي يتهددهم في القريب العاجل تشكيل جيب أو كانتون أو دويلة على غرار (المشروع الصهيوني) ، تستنزف الشعب السوري على جبهته الشمالية ، كما يستنزفه الوجود الصهيوني على جبهته الجنوبية ، كما يرسم ليتنزفه كيان ثالث على جبهته الغربية . الكيان الجديد يهدد الأمن القومي التركي ، ويشكل نقطة إسناد خارجة على السيطرة لحركة التمرد على أرضها الوطنية .

وهكذا رضي الأتراك من الغنيمة بالإياب ، وأعلن السيد يلدريم انهاء وليس انتهاء عملية درع الفرات . نقرر هذا ونحن ندرك أن أخطر ما يتربص بالأتراك هو بالنسبة إلينا نحن السوريين أخطر . فالمصيبة تحل قريبا من ديارهم ولكنها في ديارنا نحن السوريين تحل . وهذه حقائق ربما يصعب شرحها لبعض الحالمين .

النتيجة التي نريد أن نخلص إليها في هذا المقام ، هي ليست مدخلا للتثريب ولا للوم ، بل نريدها مدخلا عمليا لقرار صائب ، يجمع الإرادة الحرة عند السوريين والأتراك معا ، في سعي جاد وصادق لتشكيل جيش وطني سوري يأخذ الراية بحقها ، ويعطي الموقف استحقاقاته ..

لا ضير على المرء أن يعثر أو يزل إذا كان قادرا على أن ينهض أوفر عزما وأشد تصميما . نقول لإخوتنا الأتراك جميعا ..

قد قضى الله أن يؤلفنا الجرح ..وأن نلتقي على أشجانه

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 713