ثلاث شجرات "أكِدِنْيا".. والرابعة!
اقتنى صهرنا العزيز "فِرْناس"، في بلدتنا الوادعة، بيتًا "ع العضم"، وبخِبرةٍ عنده أخذ يكسوه على مزاجه، مستقدِمًا الورشات ومستكملًا كلّ ما ينبغي.
وبعد أن فرغ من ذلك، وسكن هو وزوجته حفيدتي "ديمة" والفَتَيان "حمّودة" و"ياسمين"، جاءه جاره، ساكن الفيلا المجاورة، ليُعلِمه أنّ في "الحديقة" (وحدائق الفيلات هنا تتواصل دون أسْيجةٍ وفواصل حتى لتُشكّل كلًّا واحدا) ثلاثَ شجرات "أكِدِنْيا loquat"، كان قد غرسها في جانب من الحديقة، والآن يتبيّن أنّ هذا الجانب يقع في أرض جاره! وسأله ما إذا كان يريده أن يقتلعها ويغرسها ضمن أرضه؟ فتلقّى الجواب بأنّ الأفضل أن تبقى حيث هي تتابع نموّها وعطاءها... فكان أن منحه الجار الطيب الحقّ في أن يشاركه في الثمر!
ولا بأس في التعريف بأنّ شجرة الأكدنيا تُعَدّ من الأشجار دائمة الخضرة لا تتعرّى من ورقها على مدار العام، وهي تختلف في "دورتها" عن كلّ الأشجار، فتلك تُزهر في الربيع، والأكدنيا في الخريف لتطرح ثمرها في الربيع، وأزهارها بيضاء اللون زكية الرائحة، ولا تحتاج هذه الشجرة إلى كبير عناية أو سقاية، وتتمتّع ثمرتها بطِيب المذاق، وهي مغذّية ونافعة بما تحويه من ألياف عالية القيمة.
وموطن الأكدنيا الأصلي الصين، ومنها انتقلت إلى اليابان، ثمّ انتشرت في أصقاع العالم، فكان أن غلب، في الاسم العلمي لها، اسمُ البلد المضيف لها أولا على اسم البلد المنقولة منه، فهي Eriobotya Japonica lind، ولست أدري كيف درج في لهجتنا السورية اسم "أكِدِنْيا" التركي، وفي حلب "أنْكِدِنْيا" (بإضافة نون)، والأصل "يِني دنيا yeni dunya"، وتعني "الدنيا الجديدة"!
وأسترسل فأقول إنّ أكبر الأشجار في حديقة بيتي في "شارع نوري باشا" بدمشق، هي شجرة الأكدنيا، وأذكر أني رأيتها، يوم دخلت البيت ساكنًا قبل خمسين عاما، وهي في عمر العاشرة أو يزيد، وقد غُرست - كما حدّثني المالك الحاج فؤاد الخباز رحمه الله - في العام الذي تمّ فيه بناء البيت (1950).
وعن الشجرة عندي أشير إلى صعوبة القطاف منها كلما علت وسَمَقت، وقد استعملنا "السيبا" (السلّم ذا القائمتين) للصعود المريح، ثمّ لم يعد هذا السلّم يُجدي، والزهر والثمر يزكوان في قمم الشجرة وفي نهايات أغصانها المتهدّلة، وذلك كلّه ما أصبح بعيد المنال، وغدت الثمار اليانعة طعمة لعصافير الدوري. وذات مرة أذِنتُ لجاري، ساكن الطابق الفوقيّ، في إطلالة منه على حديقتي، أنّ قطفه لهذه الثمار متاح ومباح، فأشاح متعفّفًا، ثمّ ضبطته يوما وهو يشدّ من القمة إليه غصنًا حافلا، فلما رآني استحيا وأَفْلت!
أعود إلى صهرنا فرناس. حدّثته أمس، وأنا في بيته، عن شجرتي كما حدّثني هو عن شجرات جاره الثلاث، وقد جاؤوا إلينا بطشت فيه ماء مبرّد مثلّج، قد غُرِّقت فيه عناقيد الأكدنيا، نتناول الغصن، نجرّده ممّا فيه من حبّات واحدة بعد أخرى، ومنّا من يقشّر بعناية، ومنّا من يَلْقَم الحبّة يلوكها ثمّ ينبذ البزر والقشر!
كنّا نأكل... يقول لي فرناس إنه يقطف من الشجرات الثلاث من الجانب الذي يليه، ويترك لجاره الجانب الذي من ناحيته... ونضحك!
وقد غَصَصت، وأنا أفكر... ليس في شجرة نوري باشا وما تنقره العصافير من ثمارها قبل أن يدركها اليباس، ولا في اليد التي تمتدّ إلى أغصانها الحافلة بالثمر في غفلة من العيون... ولكني أفكر في ساكني الخيام، ما إذا كان متاحًا لهم أن يأكلوا الأكدنيا، أو التفاح، أو العنب الحلواني الذي يُتوقّع أن تجود به كروم الغوطة في تموز القادم!
فلوريدا: صباح السبت 11-4-2015
- - - - - - - - - -
من تعليقات الأصدقاء في النشر الأول عام 2015، عرفت أنّ هذه الفاكهة الطية تسمى في العراق مثل حلب: "أنكدنيا"،
وفي الأردن: "أسكيدنيا"، أي بالتركية الدنيا القديمة!
وفي فلسطين ومصر: "البَشْمَلة"،
وفي المغرب: "المْزاح"!
والاسم بالعربية: "المشمش الهندي".
وسوم: العدد 715