على هامش الفيتو الروسي الثامن "المنفرد"
ليس لافتًا للنظر أن تستخدم روسيا حقَّ النقض للمرة الثامنة، يوم الأربعاء: 12/4/ 2017، بوجه مشروع أممي، يدين الهجوم المميت بالغازات السامة في مدينة خان شيخون في: 4/ 4/ 2017، و يطالب بالضغط على نظام الأسد للتعاون مع المحققين الدوليين حول ذلك.
إنّما اللافت ما أحاط بالملف السوريّ في الآونة الأخيرة، ما جعل التعاطي معه مختلفًا هذه المرة:
ـ غياب المساندة الصينيّة للروس في هذه المرة، إذ يبدو أن زيارة العاهل السعودي إلى بكين مؤخرًا، و توقيعه معها اتفاقيات اقتصادية تصل إلى ( 200 مليار دولار )، قد آتت ثمارها، هذا فضلاً على مفاعيل الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة، في ذات الوقت الذي تمّت فيها الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات في: 7/ 4/ 2017؛ فبدَت روسيا منفردة في وجه الإرادة الدولية، لمعاقبة نظام الأسد على فعلته تلك.
ـ الانحياز المصري الواضح إلى التوجهات الأمريكية في التعاطي الجديد مع الملف السوري، و هذا من أولى ثمار زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى أمريكا، و إعادة تموضعها عقب لقاء الملك سلمان في قمة البحر الميت مع الرئيس السيسي؛ ما يؤشر إلى نوع الدور الذي ستلعبه مصر في حال التوصل إلى تسوية من نوع ما في سورية، كأن يسند إليها مهمة القيام بدور القبعات الزرق فيها.
ـ الانعطافة الكبرى التي شهدها الوقف الأردني من الملف السوري عقب زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن، في الأثناء التي تمّ فيها توجيه تلك الضربة إلى نظام الأسد، حيث بدا لافتًا قيام الأردن بعدد من الخطوات التي تنمّ عن سياسة أخرى مغايرة، لما كانت قبيل القمة العربية التي استضافها هو في البحر الميت قبيل شهر، حيث كان للحضور السعودي دورٌ مهمّ في رسم تلك السياسة.
ـ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في التعامل مع ملفات المنطقة، و في مقدمتها الملف السوري، الذي بات العنوان الأبرز، في اختبار جدية الرئيس ترامب في رسم صورة أمريكا القوية، بعد سلسلة انتكاسات داخلية له، في المائة يوم الأولى لتوليه الرئاسة، حيث أخفق في قانوني: الهجرة، و الضمان الصحي؛ فأراد على عادة الساسة الأمريكان، و لاسيما الجمهوريين، نقلَ الأزمات الداخلية إلى الخارج، عن طريق الانخراط في ملفات كانوا قد أداروا لهم ظهرها، على غرار ما كان في الأزمة الاقتصادية الخانقة في تسعينيات القرن الماضي، عندما سهّلوا للرئيس صدام حسين أمر غزوه الكويت، ليعقبه بعد ذلك ما كان للعراق في: 2003، و هو ذات الأمر الذي لربما كان للرئيس الأسد في حادثة خان شيخون في: 4/ 4/ 2017، على ما يذهب إليه عددٌ من المراقبين.
و عليه فمن غير المتوقع أنّ تكون الضربة، التي وجهت له في مطار الشعيرات، من غير ظلال سياسية، على مستوى العلاقة مع حليفيه، ثم معه نفسه، و هذا ما أخذت مفاعليه تظهر تباعًا، ابتداءً من مضامين الرسالة التي حملها الوزير تيلرسون إلى الكرملين مرسلاً من قمة السبع الكبار، إلى جانب من حضرها من دول الجوار السوري، و الأخرى الخليجية، المعنية بالملف السوري، للتخلّي عن الأسد؛ تمهيدًا لبلورة حلّ سياسي، و من ثَمَّ الشروع في ملف إعادة التأهيل و الإعمار، الذي سيكون للروس نصيب منه، ثم ما أعقبه من تصريح الرئيس ترامب من أنّ حكم عائلة الأسد قد شارف على الانتهاء، و ما رافق ذلك من توصيفات للأسد خارجة عن نطاق المألوف في السياسة التي كانت أيام الرئيس أوباما.
ـ مسارعة الدول المنخرطة في الملف السوري إلى إعادة تموضعها، سواءٌ ما جاء منها مترافقًا مع الضربة للشعيرات، أو بعدها، فتركيا أصبحت أكثر استعدادًا في المشاركة في تخليص الرقة من داعش، من خلال تجهيزها قوات عشائرية عربية لدخول تل أبيض عقب الانتهاء من استفتاء: 16/ 4/ 2017، و هناك تسريبات عن قبولها دورًا كرديّا على حدودها الجنوبية، و هو ما قد يفسِّر الضغط الأمريكي على قوات سورية الديمقراطية للانسحاب من القرى العربية، التي اجتاحتها بمساندة روسية قبل سنة، في شمال حلب، كبادرة حسن نية تجاهها تجاه الفصائل المسلحة المدعومة منها.
ـ اتساع دائرة التهديد الأمريكية تجاه الأسد، فلم يعد الأمر محصورًا باستخدامه غاز السارين، بل تعدّاه إلى مادة الكلور، ثم ليتطوّر إلى البراميل المتفجرة، ثم إلى القول بأنه حان الوقت ليقوم المجتمع الدولي بالوقوف بوجه هذه الحرب المدمرة، التي يخوضها الأسد ضد شعبه منذ ست سنوات، و أنّه على الروس أن يقفوا في الجانب الصحّ بعد الآن؛ فليس مقبولاً أن تُمزق أجسادُ ( أطفال الله ) في سورية بعد الآن.
وسوم: العدد 716