حماس الوجه الآخر لفتح

من يقرأ وثيقة حركة حماس، التي أعلنها السّيّد خالد مشعل -رئيس المكتب السّياسيّ للحركة- مساء الأول من أيّار-مايو- 2017، سيجد أنّ الحركة تعيد تجربة حركة فتح، رغم كلّ الشّعارات البرّاقة التي تحتويها الوثيقة، وعندما ذكر السّيد مشعل في مؤتمره الصّحفيّ أن قيادة الحركة اجتمعت تسع ساعات مع خبراء في القانون الدّوليّ، لم يكن ذلك عبثا، وإنّما يحمل في طيّاته رسائل لعدّة أطراف اقليميّة ودوليّة، تشير أنّ الحركة تستجيب لمتطلّبات الأمم المتّحدة، والدّول ذات التأثير في تقرير السّياسات الدّوليّة، والشّروط التي كانوا يضعونها لتلبّيها حمّاس حتّى يمكنهم التّعامل معها.

وواضح أنّ حركة حماس وبعد ثلاثين عاما من انطلاقتها، وبعد تقديم آلاف الشهداء والجرحى قد أدركت الفوارق بين الحقّ المطلق، والحقّ الواقع، ضمن فهم السّياسة التي هي "فنّ الممكن". وهذا ما أدركته حركة فتح قبل أكثر من أربعين عاما، وللتّذكير فقط فإنّ تمترس حركة حماس حول شعارات دينيّة، هو نفس ما كانت تفعله فتح عندما كانت تريد استقطاب الجماهير على حساب التّنظيمات الفلسطينيّة اليساريّة، التي لم تكن يوما ضدّ الاسلام، وليت حماس استفادت منذ البداية من تجربة فتح، واستغنت عن مرجعيّاتها الاخوانيّة، ووفّرت كلّ هذه الخسائر البشريّة والمادّيّة.  وبالتّأكيد أيضا فإنّ حركة حماس لم تكن يوما بعيدة عن تعليمات القيادة الدّوليّة لحركة الاخوان المسلمين، وتعليمات المرشد العامّ، وأنّ حركة الاخوان المسلمين بدأت تتغيّر هي الأخرى خصوصا بعد الضّربات الموجعة التي تلقّتها في مصر وغيرها، ونتيجة للضّغوطات التي تتعرّض لها من رعاتها في المنطقة، الذين هم أنفسهم يتعرّضون لضغوطات اقليميّة ودوليّة.

 ومن المؤكّد أنّ قبول حماس بدولة فلسطينيّة على الأراضي التي احتلت في حرب حزيران 1967 العدوانيّة، يحمل في طيّاته القبول بحلّ "الدّولتين لشعبين"، ويعني اعترافا بدولة اسرائيل، رغم تأكيد وثيقة حركة حماس على عدم الاعتراف باسرائيل، ومن بدهيات السّياسة أنّ الدّولة الفلسطينيّة لن تُقدَّم للفلسطينيّين على طبق من ذهب، بل من خلال اتّفاقات وضمانات دوليّة، ستضمن حقّ دولة اسرائيل في الوجود قبل ضمان الدّولة الفلسطينيّة، بل إنّ اسرائيل دولة قائمة منذ تسعة وستّين عاما، وتسيطر على أراضي فلسطين التّاريخيّة كاملة منذ خمسين عاما، وترفض حتّى الآن إقامة دولة فلسطينيّة. أمّا بالنّسبة لحقّ اللاجئين في العودة، فقد نصّت عليه قرارات الشّرعيّة الدّولية، بل إنّ قرار 242 الصادر في نوفمبر 1967، بعد حرب حزيران، نصّ على "إيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة".

ومن يقرأ وثيقة حماس آنفة الذّكر، ويعود بذاكرته إلى أدبيّات حركة فتح منذ نشأتها بداية العام 1965، سيجد أنّ حركة حماس مرّت بنفس التّغييرات والتّحوّلات التي مرّت بها حركة فتح. وقيادة حماس ومفكّروها لم يكونوا مغيّبين يوما عن نهج حركة فتح، لكنّهم كانوا يرون في حركة فتح منافسا آيدولوجيّا قويّا، ينازعهم في اكتساب الحراك الجماهيري والشّعبي الفلسطيني، وفي الاستحواذ بالسّلطة، ومن باب "المتشابهان متنافران" اختارت حماس الاختلاف الذي وصل مداه في انقلاب عام 2007 الذي فصل قطاع غزّة عن توأمها السّياميّ في الضّفة الغربيّة، لكن كما يقول المثل:"أن تأتي متأخّرا خير من أن لا تأتي" خصوصا وأنّ قطاع غزة يقف على حافّة الانفجار تحت حكم حماس. مع التّأكيد على أنّ الموقف السّياسيّ الجديد لحركة حماس، يشكّل مدخلا واسعا لإعادة توحيد الصّفّ الفلسطينيّ، وهذا ما يتمناه كل فلسطينيّ أصيل.

وسوم: العدد 718